طريقك إلى الخشوع معاني نغفل كثيرًا عنها.

طريقك إلى الخشوع في الصلاة، معاني نغفل كثيرًا عنها: 
أبو أنس.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
فهذه معاني لبعض الأذكار التي يقولها المسلم أثناء ترديده للأذان خلف المؤذن، وأثناء صلاته؛ فهي لازمة لمن أراد تحصيل الخشوع في صلاته، وينبغي على لمسلم أن يفهم معانيها أولاً؛ ليستطيع تدبر معانيها بعد ذلك؛ إذ لا تدبر بدون فهم يسبقه.
1- من أذكار الأذان:
من السنة ترديد الأذان خلف المؤذن أثناء الأذان وليس بعد انتهائه من الأذان، وأن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا عند قوله: (حي على الصلاة) و(حي على الفلاح) “الحيعلتين” فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) “الحوقلة”، ومعنى “لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ” الحَوْلُ: الحِيْلَةُ والقدرة (1)، أي: لا حول في دفع الشر، ولا قوة في تحصيل الخير إلا بالله (2).
فائدة: قال الطيبي: “معنى الحيعلتين: هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً، والفوز بالنعيم آجلاً؛ فناسب أن يقول: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته” (3).
2- وعند الانتهاء من الأذان: يقول (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيْلَةَ وَالْفَضِيْلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًَا مَحْمُوْدًَا الَّذِي وَعَدْتَهُ)، والوسيلة: منزلة في الجنة (4)، والفضيلة: المرتبة الزائدة على سائر الخلائق (5)، مقامًا محمودًا: الشفاعة (6).
3- من أدعية الاستفتاح في الصلاة
أ- (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ)، سبحانك: أي أسبحك تسبيحًا بمعنى: أنزهك تنزيهًا من كل النقائص، وبحمدك: ونحن متلبسون بحمدك (7)، وتبارك اسمك: أي كثرت بركة اسمك؛ إذ وجد كل خير من ذكر اسمك، وتعالى جدُّك: علا جلالك وعظمتك (8).
ب- (اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ  نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَس، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَد) اللهم: يا الله (9)، باعد: المراد بالمباعدة محو ما حصل منها، والعصمة عما سيأتي منها (10)، نقني: مجاز عن زوال الذنوب ومحو أثرها (11)، بالماء والثلج والبرد: عبَّر بذلك عن غاية المحو؛ فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء (12).
4- التأمين بعد قراءة الفاتحة بقول (آمين) أي: اللهم استجب (13).
5- من أدعية الركوع: يقول أثناء الركوع بعد (سبحان ربي العظيم):
أ- (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ)، سبوح: المُبَرَّأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بالإلهية (14)، قدوس: المُطهر من كل ما لا يليق بالخالق (15)، الروح الأمين وروح القدس: جبريل عليه السلام، والروح: النفس (16).
ب- (سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ)، الجبروت: مبالغة من الجَبْر وهو القهر، الملكوت: مبالغة من الملك وهو التصرف، والمعنى: صاحب القهر والتصرف البالغ كل منهما غايته (17)، الكبرياء: العظمة والسلطان (18).
6- من أدعية الرفع من الركوع: أثناء رفع المصلي من الركوع وقبل أن يستتم قائمًا يقول: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، سَمِعَ: أجاب، ومعناه: أن من حمد الله تعالى متعرضًا لثوابه استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له (19)، وبعد أن يستتم قائمًا يقول: (رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)، أهلَ الثناء والمجد: أي يا أهل الثناء والمجد، الثناء: الوصف الجميل والمدح. (20)، المجد: العظمة ونهاية الشرف (21)، أحق ما قال العبد: أي أن أحق ما قال العبد هو: (اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) الجَد: الحظ والغنى والعظمة والسلطان، أي: لا ينفع ذا -أي صاحب- الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظُّه، والمعنى: لا ينجيه حظه منك، وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح (22).
7- من أدعية الجلسة بين السجدتين:
أ- (رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي).
ب- (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وارْزُقْنِي وَعَافِنِي واجْبُرْنِي)، المغفرة: ستر الذنب والعفو عنه. (23)، اجبرني: اغنني (24)، الجَبْرُ: يكون من النقص، وكل إنسان ناقص مفرط مسرف على نفسه بتجاوز الحد أو القصور عنه (25).
8- التشهد:
(التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)، التحيات لله: أنواع التعظيم له (26)، الصلوات: العبادات كلها (27)، الطيبات: الأعمال الصالحة (28)، السلام عليك أيها النبي: هو دعاء بمعنى: سَلِمْتَ من المكاره (29)، رحمة الله: إحسانه (30)، عباد الله الصالحين: الأشهر في تفسير -الصالح- أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله، وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته.
فائدة: قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدًا صالحًا وإلا حُرم هذا الفضل العظيم، وقال الفاكهاني: ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين، يعني ليتوافق لفظه مع قصده (31).
اللهم: يا الله (32)، صلِّ: معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه عند ملائكته، ومعنى صلاة الملائكة عليه: الدعاء له (33)، حميد: مَنْ حصل له مِنْ صفات الحمد أكملها (34)، مجيد: من كمل في الشرف (35).
9- من أدعية بعد التشهد الأخير وقبل السلام:
أ- (اللَّهُمَّ إِنِّي أّعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ)، الفتنة: الامتحان والاختبار (36)، فتنة المحيا: ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها -والعياذ بالله- أمر الخاتمة عند الموت (37)، فتنة الممات: فتنة القبر (38).
ب- (اللَّهُمَّ إِنِّي أّعُوذُ بِكَ مِنْ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ) المأثم: الإثم (39)، المغرم: الدَّيْن (40).
فائدة: ما يُنزه الله عنه: قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: “التسبيح: التنزيه، والذي ينزه الله عنه أمور: أحدها مطلق النقص، والثاني النقص في كماله، والثالث مشابهة المخلوقين؛ فهذه ثلاثة أشياء ينزه الله عنها.
أما الأول: فينزه عز وجل عن الجهل والعجز والضعف والموت والنوم وما أشبه ذلك.
وأما الثاني: فينزه عن التعب فيما يفعله كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب) ق: 38؛ فالقدرة والخلق لا شك أنها كمال، لكن قد يعتريها النقص بالنسبة للمخلوق؛ فالمخلوق قد يصنع بابًا وقد يصنع قِدرًا وقد يبني بناء ولكن مع التعب والإعياء، فيكون هذا نقصًا في الكمال، أما الرب عز وجل فإنه لا يلحقه تعب ولا إعياء حتى مع خلقه لهذه المخلوقات العظيمة كالسموات والأرض.
وأما الثالث: مشابهة المخلوقين؛ فإن مشابهة المخلوقين نقص، لأن إلحاق الكامل بالناقص يجعله نقصًا، بل مقارنة الكامل بالناقص يجعله ناقصًا، كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

لأنك لو قلت: عندي سيف حديد قوي أمضى من العصا، فسيفهم الناس ما هذا السيف أنه ضعيف؛ لأن قولك أمضى من العص، معناه أن ليس بشيء (41)
وصلِ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
تنبيه: ليس المقصد من هذا البحث جمع الأذكار الواردة في السنة، وإنما شرح لبعض هذه الأذكار؛ ولذا فهناك أدعية أخرى لم تذكر هنا، وهناك روايات أخرى للأدعية المذكورة هنا وصحت أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الحواشي:
(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج2ص303
(2) المعجم الوجيز ص178
(3) فتح الباري ج2ص132
(4) شرح النووي ج2ص322
(5) فتح الباري ج2ص136
(6) فتح الباري ج2ص137
(7) شرح ابن ماجه ج1ص442
(8) شرح النسائي ج1ص469
(9) فتح الباري ج11ص216
(10) فتح الباري ج2ص328
(11) المرجع السابق.
(12) المرجع السابق.
(13) فتح الباري ج2ص373
(14) شرح النووي ج2ص443
(15) المىجع السابق.
(16) المعجم الوجيز ص218
(17) شرح النسائي ج1ص536
(18) المرجع السابق.
(19) شرح النووي ج2ص432
(20) شرح النووي ج2ص433
(21) المرجع السابق.
(22) شرح النووي ج2ص434
(23) الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين ج3ص108
(24) النهاية لابن الأثير ج1ص236
(25) الشرح الممتع ج3ص109
(26) فتح الباري ج2ص445
(27) المرجع السابق.
(28) فتح الباري ج2ص446
(29) فتح الباري ج2ص447
(30) فتح الباري ج2ص448
(31) المرجع السابق.
(32) فتح الباري ج11ص216
(33) المرجع السابق.
(34) فتح الباري ج11ص226
(35) المرجع السابق.
(36) فتح الباري ج2ص453
(37) المرجع السابق.
(38) المرجع السابق.
(39) فتح الباري ج11ص245
(40) فتح الباري ج2ص454
(41) الشرح الممتع ج3ص75-76

المصدر: صيد الفوائد.

Scroll to Top