آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة.

الكتاب: آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة.
المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
الناشر: مطبعة سفير-الرياض،
توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان-الرياض.
الطبعة: التاسعة، 1431 ه.بسم الله الرحمن الرحيم.

المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُسْلِمُونَ) (1). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (2). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (3).
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن الله تعالى منح الإنسان نعمًا عظيمة، ومن أعظمها بعد الإسلام: نعمة النطق باللسان، وهذا اللسان سلاح ذو حدين: فإن استُخدم في طاعة الله كقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر المظلوم كان هذا هو المطلوب من كل مسلم، وكان هذا شكرًا لله على هذه النعمة.
وإن استُخدم في طاعة الشيطان، وتفريق جماعة المسلمين، والكذب وقول الزور، والغيبة والنميمة، وانتهاك أعراض المسلمين، وغير ذلك مما حرمه الله ورسوله كان هذا هو المُحَرَّمُ على كل مسلم فعله، وكان كفرانًا لهذه النعمة العظيمة.
وفي اللسان آفتان عظيمتان:
1- آفة الكلام بالباطل.
2- آفة السكوت عن الحق.
فالساكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس، عاصٍ لله، مراءٍ، مداهنٌ، إذا لم يخَف على نفسه القتل ونحوه، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، عاصٍ لله، وأكثر البشر منحرف في كلامه وسكوته بين هاذين النوعين، وأهل الوسط كفّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه (4).
وآفات اللسان من أخطر الآفات على الإنسان؛ لأن الإنسان يهون عليه التحفظ، والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المُحَرَّمِ، وغير ذلك من المحرمات، ويصعب عليه التحفظ والاحتراز من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه: بالدِّين، والزهد، والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي في النار بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، أو يهوي بها في النار سبعين سنة، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يقطع، ويذبح في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي بما يقول (5).

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وَلِخَطَرِ آفات اللسان على الفرد، والمجتمع، والأمة الإسلامية جمعت ما يسر الله لي جمعه -في هذا الموضوع الخطير- من كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قسمته إلى ثلاثة أبواب على النحو الآتي:
الباب الأول: الغيبة والنميمة:
الفصل الأول: الغيبة، ويشتمل على تسعة مباحث.
الفصل الثاني: النميمة، ويشتمل على ثمانية مباحث.
الباب الثاني: القول على الله بغير علم:
الفصل الأول: الكذب على الله وعلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الفصل الثاني: الكذب على وجه العموم، ويشتمل على أربعة مباحث.
الفصل الثالث: شهادة الزور، ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الباب الثالث: القذف، والخصومات، وبذاءة اللسان:
الفصل الأول: القذف، ويشتمل على مبحثَين.
الفصل الثاني: الخصومات والجدال، ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الفصل الثالث: بذاءة اللسان، ويشتمل على خمسة وعشرين مبحثًا.
الفصل الرابع: وجوب حفظ اللسان.
وقد اجتهدت في جمع المادة العلمية لهذا البحث من المصادر والمراجع الموثوقة، وأعظمها، وأجلها على الإطلاق: الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وهما المنبعان الصافيان اللذان من أخذ بهما، وعضَّ عليهما بالنواجذ فاز وأفلح، ومن أعرض عنهما وعن هديهما فقد خاب وضل مسعاه وخسر.
ثم إني اجتهدتُ في تخريج جميع الأحاديث وعزوها إلى مصادرها الأصلية، وإذا كان الحديث في غير صحيحَي البخاري ومسلم، فإني أذكر ما قاله أهل العلم المحققون في درجة الحديث.
وقد سميته: “آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة”، هذا ما يسّر الله لي جمعه، فما كان من صواب فمن الواحد المنّان، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريءٌ منه ورسولُه.
وأسأل الله العظيم، رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (6)، وأن ينفع به من قرأه، أو سمعه، أو طبعه، أو نشره، أو كان سببًا في نشره، ومُقرِّبًا لي ولهم من جنات النعيم، وأن يجعله حجة لنا، ولا يجعله حجة علينا، إنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا، وإمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم يإحسان إلى يوم الدين.
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى: سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
حرر في عام 1405 ه.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 102.
(2) سورة النساء، الآية: 1.
(3) سورة الأحزاب، الآيتان: 70-71.
(4) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله تعالى، ص281.
(5) انظر: الجواب الكافي، ص277.
(6) سورة الشعراء، الآيتان: 88-89.
Scroll to Top