“وحدة الصف طوق النجاة لسفينة المسلمين”

 

ضيف الحوار الداعية: محمد العزامي.
أجرت الحوار الصحفية: أمينة سعيد.

كانت وما زالت وحدة الأمة واجتماعها، واجتماع كلمتهم هدفًا ساميًا ، وحاجةً ملحة تراود عقول وقلوب المسلمين منذ الأزل؛ فوحدتهم واجتماعهم على الحق يعد من أهم الموضوعات التي تشغل بال الكثيرين، فالخطاب الديني دعا إلى هذه الوحدة، ورصّ الصفوف، وعدم الفرقة وذلك في قوله تعالى في كتابه العزيز: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ منَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم منْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
ولكن واقع الأمة الإسلامية في وقتنا الحالي ينذر بالخطر مما يضع على كاهل الدعاة والعلماء مهمة كبيرة جدًا ويجبرهم على القيام بدورهم في صد كل ما يواجه الأمة من تفرقة، وتشرذم في صفوفها، فوحدة المسلمين وتضامنهم أمر يمثل ضرورة واجبة على كل مسلم أن يسعى لتحقيقها، ويمثل طوق النجاة لسفينة المسلمين.
وللوقوف على أسباب وحدة الأمة المفقودة، والوصول إلى حلول للمِّ شملها كان لنا هذا اللقاء مع الداعية الإسلامي من فلسطين د. محمد العزامي والذي أكد أن المسلمين لن ترتفع لهم راية، ولن يستقيم لهم أمر، ما لم يكونوا متراصين متوحدين مجتمعين على كلمة واحدة، فقد جاء المصطفى –عليه الصلاة والسلام– على أمة مبعثرة فجمعها ووحّد كلمتها، وصنع أمة واحدة بعد أن كانت الحروب مستعرة بينهم، وصهرهم جميعًا في بوتقة الإسلام، فجمع بين أبي بكر القرشي وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، جعلهم أخوة متحابين، وأزال ما بين الأوس والخزرج من خلاف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأصبح المسلمون –بفضل الله– كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وقد بيّن –عليه الصلاة والسلام– ذلك بقوله: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم) ولهذا قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
وبيّن فضيلته أن من إمارات تجسيد هذه الوحدة شرع المؤتمر العالمي للمسلمين في ذي الحجة من كل عام، وشرعت صلاة الجماعة في المسجد في أوقاتها المعلومة، كما شرعت صلاة الجمعة، وصلاة العيدين.
في ذات الإطار أشار خلال حديثه أن من أبرز الموانع لتوحد الأمة الإسلامية في زماننا هذا: البعد عن الإسلام، وتعاليمه، وقلة التدين، –ولا أخالف في هذا– فإن الله جل جلاله قد قال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) منوهًا أن هذا ما أكدته بعض المراجع المتحدثة في هذا الجانب.
ويرى العزامي التدين في حد ذاته أهم الموانع لتوحيد الأمة، وقال: أريد هنا التدين في الشكل والفهم الخاطئ الذي يفرّق ولا يوحد كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) فما رأت عيني أكثرَ تفرقًا وتشرذمًا من الجماعات الدينية، إذ يرى كل واحد منهم نفسَه الحقَ الكامل الذي لا يجانب الصواب، ويرى غيرَه الباطل الكامل الذي لا يحتمل الصواب، إضافةً إلى الجهل، ويعد من أعظم أسباب التفرق، وقد أخبر –سبحانه– أنه عاقب النصارى بالفرقة؛ بسبب نسيان العلم، قال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ،)
وتابع هناك أسباب أخرى مهمة لا يمكن أن نغفل عنها كالأسباب السياسية، والاقتصادية، والجغرافية المتمثلة في الفترة التي هَيْمَنَ فيها الاستعمار على بلاد العالم الإسلامي؛ فعمِل بمبدأ: “فَرِّق تَسُد”؛ فَزَرَعَ مشكلات الحدود بين أكثر البلدان، كما أحيا في النفوس العَصَبِيَّات العِرقية بين شعوب البلاد الإسلامية إضافةً إلى الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، إلى جانب انعدام الرؤية والتخطيط.
وتعجب فضيلته من عدم وحدة الأمة بالرغم من توفر كل عوامل الوحدة في محيطها، وتساءل كيف لأمة تعبد ربًا واحدًا وتستقبل جهة واحدة، وتؤمن بكتاب واحد، وتتبع نبيًا واحدًا، وتسودها الفرقة مؤكدًا أن هذه الأمة بحاجة لإعداد رؤيا جديدة تنطلق من الأخلاق التي دعا إليها ديننا الحنيف.
مشيرًا إلى أنه بالرغم مما تمر به الأمة من مآساة في عالمنا الإسلامي إلا أن الرجال لا يمكن أن يقفوا بكائين على هذا الواقع المرير بل يجب أن نستحضر صورة مشرقة مرت بها أمتنا الإسلامية خير الأمم، حين كانت أمة متآخية كل التآخي، متعاونة على البر والتقوى، متحدة في أهدافها وغاياتها، معتصمة بحبل ربها، قلوبها متآلفة، وصدورها متصافية، وكلمتها مجتمعة، التراحم قائم والتسامح موجود، وحب الخير يملأ كل قلب ونفس، وبذلك تبوأت أمتنا أعلى مراتب العز والشرف، وكانت لها السيادة والقيادة على شعوب الأرض قاطبة؛ فأقامت موازين القسط والعدالة والمساواة بين الناس، ونشرت في ربوع الدنيا رسالة الإسلام، ومبادئ القرآن.
وبيّن أن أولى الحلول تكون بالاعتصام بكلمة الحق، وترك الخلاف والفرقة فعَن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ). موصيًا المسلم أن يلتزم بالجماعة التي تقترب للحق داعيًا إياه أن يقترب للحق الذي عندها بقدر اقترابها منه، وإياك والتعصب لها؛ فالتعصب للحزب والجماعة يعيدنا لنقطة الصفر التي بدأنا الحديث عنها في موانع توحد الأمة قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران: 103ّ. وقَالَ أيضًا: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين) الأنفال: 46ّ. مستشهدًا بكلام ذكره الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله– في كتابه خلق المسلم أن المصلين اختلفوا في صلاة التراويح هل هي ثماني ركعات أم عشرون ركعة، فقال بعضهم بأنها ثماني ركعات، وقال آخرون بأنها عشرون ركعة، وتعصب كل فريق لرأيه، وكادت أن تحدث فتنة،، ثم اتفق الجميع على أن يستفتوا عالمًا في هذه القضية فسألوه عن رأيه في الأمر، فنظر الشيخ بذكائه فعرف ما في نفوسهم، وهو أن كل طرف يريد كلمة منه، فقال الشيخ مستعينًا بفقهه: الرأي أن يُغلق المسجد بعد صلاة العشاء “الفريضة” فلا تُصلى فيه تراويح البتة، قالوا: ولماذا أيها الشيخ؟ قال: لأن صلاة التراويح نافلة “سنة” ووحدة المسلمين فريضة، فلا بارك الله في سنة هدمت فريضة.
وتابع العزامي من الحلول لجمع الأمة إعداد العدة وقال: أريد هنا بالعدة بمعناها الشمولي؛ لنصل لإعداد أمة قوية متكاملة في جميع المجالات إيمانيًا، وتربويًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، وتعليميًا، وإعلاميًا، كما قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم من قُوَّةٍ) الأنفال، ولا يخفى على تنكير كلمة قوة؛ فهي نكرة أفادت العموم والشمول، منبهًا إلى ضرورة النظر إلى السيرة العطرة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم– وصحابته والتابعين، والاقتباس الصحيح من تجارب الأمم الموحدة وفي مقدمتها أمة الإسلام في عصور نهضتها إلى جانب تشجيع الإبداعات الشابة والاستثمار الإيجابي للطاقات التي تساهم في بناء أمة قوية وموحدة.
وختم حديثه مؤكدًا أن ما عليه الأمة الآن هو حالة غير طبيعية وستعود –بإذن الله– إلى ما كانت عليه من عز وتمكين ووحدة، وقد لاحت في الأُفُقِ بشارة عودة هذا العز.

Scroll to Top