خطر الشائعات على الفرد والمجتمع.

خطر الشائعات على الفرد والمجتمع:
ضيف الحوار: د. أمير محمد المدري. دكتوراه في الإدارة التربوية، باحث في الفكر الإسلامي والتربية.
أجرت الحوار: أمينة سعيد.

أمر الله بالصدق، وحرّم الأكاذيب والشائعات، وللأسف الشديد في عالمنا المعاصر الذي يشهد تطورًا تقنيًا في وسائل الاتصال أصبحت الإشاعة أكثر رواجًا وأبلغ تأثيرًا، وإن الصراع بين الحق والباطل مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والباطل لا يفتر أبدًا في استخدام كل وسيلة تعوق الحق عن مواصلة طريقه، وتحقيق أهدافه؛ لتعبيد الأرض لله رب العالمين، ومن ثم فإنه يستخدم الإشاعات، ويحسن صناعتها؛ ليصد الناس عن الحق وأهله، أو ليفرق جمعه، وليثبط حماسة أتباعه، أو ليغير صدورهم تجاه بعضهم، أو ليشيع الفاحشة في مجتمعه.
فما هي الشائعة؟ وما هو خطر الشائعة؟ وماذا فعل الإسلام للشائعات؟ وما هي مفاسد الشائعات؟ وكيف نواجه هذا الشائعات؟ هذا ما سنتناوله معًا في هذا الحوار:
ما هي الشائعة؟
عرف: د. أمير محمد المدري الشائعة هي مصدر أشاع، وشاع الخبر في الناس شيوعًا، أي: انتشر وذاع وظهر. والشائعة هي:

الأخبار التي لا يُعلم من أذاعها؛ فلو سألت من يتقل الشائعة عن مصدرها سيقول لك قالوا زعموا، والشائعة نشر الأخبار التي ينبغي سترها؛ لأن فيها إيذاء للناس.
– الشائعات كم دمرت من مجتمعات وهدمت من أسر، وفرقت بين أحبة.
– الشائعات كم أهدرت من أموال، وضيعت من أوقات.
– الشائعات كم أحزنت من قلوب، وأولعت من أفئدة، وأورثت من حسرة.
– الشائعات كم أقلقت من أبرياء، وكم حطمت من عظماء، وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء.
– الشائعات كم نالت من علماء وعظماء! وكم هدّمت الشائعة من وشائج! وتسبّبت في جرائم!  الشائعات كم أثارت فتنًا وبلايا، وحروبًا ورزايا، وأذكت نار حروب عالمية، ، وإن الحرب أوّلها كلام، ورب مقالة شرّ أشعلت فتنًا؛ لأن حاقدًا ضخّمها ونفخ فيها.
– الشائعات كم هزمت من جيوش، وكم أخّرت في سير أقوام
– الشائعات ألغام معنوية، وقنابل نفسية، ورصاصات طائشة، تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في عرضها ما لا يفعله العدوّ بمخابراته وطابوره الخامس.
– الشائعات والأراجيف تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص بل قد تكون مِعْوَل هدم للدين من الداخل أو الخارج.
ما خطر الشائعات؟
وحول خطرها يقول المدري هل أتاكم خبر ذاك الأب الذي قتل ابنته والسبب شائعة، هل أتاكم خبر ذاك الزوج الذي طلّق زوجته ودمر بيته والسبب شائعة، وأضاف الشائعة تُعمي عن الحق وعن الصراط المستقيم؛ (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) القصص: 5؛ فالشائعة ضررها أشد من ضرر القتل، وهي من أهم الوسائل المؤدية إلى الفتنة والوقيعة بين الناس، يقول الله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ)، (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وإنما كانت الفتنة أشد من القتل؛ لأن القتل يقع على نفس واحدة لها حرمة مصانة، أما بالفتنة فيهدم بنيان الحرمة ليس لفرد وإنما لمجتمع بأسره، والشائعة يطلقها الجبناء، ويصدقها الجهلاء الذين لا يستخدمون  عقولهم، ويستفيد منها الأذكياء.
وأكد المدري على أن نشر الشائعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم، وأسرع الأمم تصديقًا للشائعات هي الأمم الجاهلة بسذاجتها تصدّق ما يقال، وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص ولا تفنيد، وأما الأمم الواعية فلا تلتفت إليها، وتكون مدركة لألاعيب المنافقين وأعداء الإسلام؛ فلا يؤثر على مسيرتها، ولا يهزّ أعصابها، ولذلك مطلوب منا دائمًا ولا سيما في هذه العصر أن نكون يدًا واحدة، أعوانًا للخير، والبر والتقوى، يكمل بعضنا نقص بعض، ويعين بعضنا بعضًا، نسعى في جمع الكلمة، ونسعى في وحدة الصف، ونسعى في لمّ الشمل.
ما حكم الإسلام في الشائعة ومروّجها؟
وفي رده حول حكم الإسلام في الشائعة ومروجها قال يحرم إشاعة أسرار المسلمين، وأمورهم الداخلية؛ مما يمس أمنهم واستقرارهم؛ حتى لا يعلم الأعداء مواضع الضعف فيهم فيستغلوها، أو قوتهم فيتحصنوا منهم.
الإسلام يُحرِّم إشاعة ما يمس أعراض الناس وأسرارهم الخاصة، قال الله تعالى في محكم التنزيل: (إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) النور: 19، هذا هو الحكم الأخروي، وبالنسبة للحكم المترتب على الشائعة الكاذبة فهو حد القذف إن توفرت شروطه، وإلا فالتعزير، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) النور: 4، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)  الأحزاب: 58.
ومروّج الشائعة هم: إما مطلقوا الشائعات سماهم القرآن مرجفين، والإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، ويطلق أيضًا على الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن؛ لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس، والإرجاف حرام، وتركه واجب؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وفاعله يستحق التعزير، قال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) الأحزاب: 60،61، قال القرطبي: “(لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ) أي: لسلطناك عليهم فتستأصلهم بالقتل”، وبلغ رسول الله  صلى الله عليه وسلم أن ناسًا من المنافقين يثبطون الناس عنه في غزوة تبوك؛ فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه.
ومروّج الشائعة عضو مسموم، يسري سريان النار في الهشيم، يتلوّن كالحرباء، وينفث سمومه كالحية الرقطاء، ديدنه الإفساد والهمز، وسلوكه الشر واللمز، وعادته الخبث والغمز، ومروّج الشائعة  لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسَّة ودناءة، قد ترسّب الغلّ في أحشائه، فلا يستريح حتى يزبد ويُرغي، ويفسد ويؤذي، فتانٌ فتاكٌ، ساعٍ في الأرض بالفساد للبلاد والعباد.
وشدد المدري على أن الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثيرٌ للاضطراب والفوضى في الأمة، وقد يكون شرًا من مروّج المخدرات؛ فكلاهما يستهدف الإنسان، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى، وإنك لتأسف أشد الأسف ممن يتلقى الشائعات المغرضة وكأنها حقائق مسلّمة فيلطّخ سمعه وبصره من الشائعات الباطلة.
ما أنواع الشائعات؟
وتطرق المدري لأنواع الشائعات وقال: هناك عدة أنواع للشائعات منها:
– الشائعة الزاحفة: والتي تنتشر ببطء وبسرية.
– الشائعة الإندفاعية: تنتشر بسرعة فائقة مستندة إلى مشاعر انفعالية عنيفة.
– الشائعة الغاطسة: تنتشر في ظروف معينة ثم تختفي “تغطس” لتعاود الظهور في ظروف مماثلة.
– شائعة الأمل: وتنتشر في الأوساط التي تتمنى صحة هذه الشائعة.
– شائعة الخوف: وتنتشر في أجواء التهديد المولدة للمخاوف، وذلك لدفع الخائفين إلى التسليم.
– شائعة الخيانة: وتنتشر بصفة خاصة في أوقات الحروب والأزمات المصيرية، وتتركز عادة على الفئات المسؤولة عن المواجهة مثل القادة والعسكريون.
– شائعة البعبع: وهي شائعة خوف مبالغة.
– الشائعة العنصرية “التمييزية”: التي تحمل موقفًا ما من جماعة عرقية أو طائفية.
وبيّن المدري أن الأنبياء والصالحين لم يسلموا من الشائعات منذ فجر التأريخ، والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كله؛ فهذا المسيح عليه السلام تشكك الشائعات المغرضة فيه، وفي أمه الصديقة: (يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) مريم: 28، وهذا نوح يقال له: مجنون قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) القمر: 9، ويوسف عليه السلام نموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، قال تعالى: (كَذالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف: 24، وفرعون أعظم سلاح كان عنده الشائعة قال عن موسى عليه السلام: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) الأعراف: 109، ولا زال أتباع فرعون إلى اليوم يستخدمون هذا السلاح لحرب الإسلام والمسلمين، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد رُميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها، فرُمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وتفنن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة، والاتهامات الباطلة ضد دعوته، فما أرجعَ أصحابَ الهجرةِ الأولى إلى الحبشة منها إلى مكة إلا شائعة، وما صدَّ الناسَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة إلا شائعة، ولعل من أشهرها قصة الإفك المبين، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهرة، وتتعرّض لعرض أكرم الخلق عند الله، وعرض الصديق والصديقة رضي الله عنهما أجمعين، ولا زالت الألسنة الخبيثة تلوك هذه الشائعة إلى اليوم،  وتشغل هذه الشائعة المسلمين بالمدينة شهرًا كاملاً حتى أنزل الله براءة الصديقة بنت الصديق قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور: 23، ولهذا حكم العلماء على سابّ الصحابة بالفسوق وسابّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالكفر؛ لأنه ينكر آية البراءة لها في القرآن، ومن ذلك استغلال الكفار والمنافقين لحادث موت رسول الله، حين أخذوا يشنون الحرب النفسية ضد المسلمين عن طريق الشائعات المغرضة، زاعمين أن الإسلام قد انتهى، ولن تقوم له قائمة حتى أثّر ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، وظلّ الناس في اضطراب حتى أتى الصديق أبا بكر رضي الله عنه فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران: 144، وما استبيح دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلا بالشائعات التي تحمل الكذب والافتراء والطعن عليه -رضي الله عنه- والأمثلة كثيرة.
كيف عالج الإسلام الشائعات؟
أولاً – عدّ الإسلام ذلك سلوكًا مرذولاً، منافيًا للأخلاق النبيلة، والسجايا الكريمة، والمثل العليا التي جاءت بها، وحثت عليها شريعتنا الغراء من الاجتماع، والمحبة، والمودّة، والإخاء، والتعاون، والتراحم، والتعاطف والصفاء، وهل الشائعة إلا نسف لتلك القيم، ومعول هدم لهذه المثُل!
ثانيًا- حذّر الإسلام من الغيبة والوقيعة في الأعراض، والكذب والبهتان والنميمة بين الناس، وهل الشائعة إلا كذلك!
ثالثًا- أمر بحفظ اللسان، وأبان خطورة الكلمة، وحرّم القذف والإفك، وتوعّد محبّي رواج الشائعات بالعذاب الأليم؛ فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)  النور: 19.
رابعًا- أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى:  (لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)  النور: 12، والشائعات مبنية على سوء الظن بالمسلمين، والله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِ إِنّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات: 12، وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا).
خامسًا- حث الإسلام على التثبت والتبيّن في نقل الأخبار، وأن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أية شائعة يسمعها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)  الحجرات: 6، وقرأ حمزة والكسائي:  فتثبَّتوا.
سادسًا- أخبر سبحانه وتعالى أن الإنسان مسؤول أمام الله عز وجل ومحاسب عن كل صغير وجليل قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق: 18،  وقال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور: 15ّ.
سابعًا- نهى الإسلام أتباعه أن يطلقوا الكلام على عواهنه، ويُلغوا عقولهم عند كل شائعة، وتفكيرهم عند كل ذائعة، أو ينساقوا وراء كل ناعق، ويصدّقوا قول كل دعيٍّ مارق، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع)، وفي رواية: (كفى بالمرء إثمًا).
ثامنًا- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص: يقول الله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: 83، قال الشيخ السعدي: “هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والعقل الذين يعرفون المصالح وضدها؛ فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه”؛ فكم من إشاعة كان بالإمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.
تاسعًا- التفكر في عواقب الشائعة، وعودة مرة ثالثة للآية السابقة في سورة الحجرات يقول الله تعالى: (أَنْ تُصِيبُوا قَوًْا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) هلا تفكرت في نتائج الشائعة، هلا تدبرت في عواقبها.
وختم المدري حديثه محذرًا أن تكون  أنت الانطلاقة لكل شائعة، وقال: “احذر أن تكون  مروِّجًا لهذه الشائعات؛ فإذا ما سمعت أخي المسلم  بخبر ما سواءً سمعته في مجلس عام أو خاص، أو قرأته في مجلة أو جريدة، أو إنترنت أو شاهدته في قناة فضائية أو سمعته في إذاعة، وكان ما سمعته يتعلق بجهة مسلمة، سواءً وكان الذي سمعته لا يسُرّ، أو فيه تنقص أو تهمة؛ فلا تستعجل  في تقبلها دون استفهام أو اعتراض، واحذر ترديد الشائعة؛ لأن في ترديدها زيادة انتشار لها مع إضفاء بعض بل كثير من الكذب عليها، وكما قيل في المثل الروسي: (الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها)، واحتفظ بالخبر لنفسك لا تنقله لغيرك، مع أن الذي ينبغي أن يبقى في نفسك هو عدم تصديق الخبر؛ لأن الأصل كما ذكرنا إحسان الظن بالمسلمين حتى يثبت بالبرهان والدليل والأدلة صدق هذا الاتهام؛ لأن القضية قضية دين، والمسألة مسألة حسنات وسيئات”.

Scroll to Top