حب الدنيا من أهم أسباب القطيعة بين الأقارب.

حب الدنيا أهم أسباب القطيعة بين الأقارب: 
ضيفة الحوار: صباح سلامة.
أجرت الحوار الصحفية: أمينة سعيد.

الخلافات بين الأقارب في بعض الأحيان تكون على أسباب تافهة وأحيانًا أخرى تكون على أسباب عظيمة.
ولعل المغذي الأكبر لهذه القطيعة هو الشيطان؛ فظاهرة هجران القريب لقريبه، واستشراء الجفاء والقطيعة بين الآباء والأبناء والإخوة انتشرت بشكل كبير في مجتمعاتنا.
وقد تصل القطيعة بين الأخوة إلى عشرات السنين، وقد تطول إلى أكثر من ذلك، ومن أهم أسباب القطيعة: البعد عن الله تعالى، وتفشي حب الدنيا الفانية في قلوبهم.
حول هذه الظاهرة تحدثت الأستاذة صباح سلامة المشرفة على مراكز تحفيظ القرآن الكريم لدى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة في حوار مع دعوتها.
في بداية حديثها أكدت أنه من المؤلم والصعب ما يحدث حولنا من قطيعة وتوتر بين الأقارب، وتابعت متسائلةً أن الإنسان لو لم يأمن أقاربه، فمن سيأمن!

ولو عجز عن تصفية النفوس تجاههم فهل سيرتاح؟
وعبّرت سلامة عن أسفها الشديد من تفشي هذه الظاهرة والسكوت عنها، مشيرةً إلى أن هذه غاية الشيطان وقد حقق مراده.
وقالت: “هل يُخفِّف من وطء الألم والصَّدمة أن تعلمَ أن هذا أمرٌ طبيعي، ويحدث في كثير من البيوت، فالشيطان لا يستقيلُ، ويُمارس عمله بهمَّة، وها قد نجح بالإيقاع بين الأقارب”.
وأشارت سلامة خلال حديثها أن السبب وراء القطيعة ضعف النفوس، وقلة الثقة، وحب الانتقام، والكراهية، فكم من كلمة في غير محلها أفسدت العلاقات بين الأقارب.
ونصحت الجميع أنه مهما كانت أسباب القطيعة يجب عدم تضييع الكثير من الوقت في التفكير بها، منوهةً إلى أن الله سبحانه وتعالى يحاسب على ما نقوم نحن به، ليس على ما يقوم به الآخرون، وأكّدت على ضرورة جعل التركيز على ما يجب عليكم التصرُّف به؛ فالأمر يحتاج إلى الحكمة في التعامل.
ونصحت مشرفة مراكز القرآن الكريم بغزة الجميع بربط الأعمال بدايةً برضا الله، فمهما بحثنا عن رضا الآخرين، فلن نصل له؛ ما لم نشترِ به رضا الله أولاً.
ثانيًا- لا تجعلوا أحدًا أيًا كان يدفعكم للقيام بما يُخالف أخلاقكم وقيمكم، وعليكم بلمسة التربية والاحترام، وقالت: “فلو تطوَّع أحدهم لنقل كلام بينكما فارفضوا سماعه، واكتفوا بأن تخبروه بخطر النميمة، وأنها من أول أسباب إفساد العلاقات والمجتمع؛ لذلك جعلها الله من الكبائر”.
وتذكروا قوله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة.
فلا تجعلوا العداوة تنسيكم الأصل بالتقوى، وهو أن تعاملكم لله ليس للبشر.
وأكّدت سلامة أن القاعدة تختلف تمامًا حينما ندرك هذه المشاعر، وحينما نتعامل مع الله لنزيد رصيد حسناتنا وقربنا من الله، وقتها لن يعنينا كثيرًا، ولن يحبطنا الآخرون حين لا يُقدِّرون ما نفعله، ولن يكون ذلك بالأمر السهل ما لم ندرِّب نفوسنا عليه ونجاهدها؛ لنصل له بإذن الله.
ونصحت سلامة الجميع باتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وتذكُّر ما ورد بصلة الرحم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (الرَّحم مُعلقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله، ومَن قطعني قطعه الله) “رواه مسلم”، وعنه -صلى الله عليه وسلم- (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه) “رواه البخاري”.
وأوضحت سلامة في حال كان الأقارب هم البادئين بالقطيعة، وهم مَن التمس المشكلات لتصل لهذه النهاية، عليك أن تتذكر أنك لست وحدك مَن يعاني هذه المشكلة؛ فقد عاناها الناس من قديم من أقارب يُوادُّونَهم فلا يجدون استجابةً، ويحسنون إليهم فيزيدهم ذلك إعراضًا، لكن ذلك لا يعني الكثير، فيكفي أن الله سيكون الظهير عليهم وقتها، كما وصلنا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَ رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصِلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عليهم ويجهلون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم، ما دُمت على ذلك) “رواه مسلم (2558″، والمَلُّ: يعني الرمل الحار.
وأضافت سلامة ناصحةً الجميع بأن عليهم أن يتذكروا دائمًا أن الأجر يكون بوصل ما يقطعُه الأقارب، ليس بالصبر عليهم عن بُعد فحسب؛ فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رَحِمُه وصلها) “رواه البخاري”.
وطالبتهم ببذل الجُهد، والاستمرار بمحاولة الوصل، وقالت: لا تجعلوا الشيطان يُحبطكم، لكن لا يعني ذلك أن تجعلوهم يتمادَوْن في الحديث عنكم، لكن تلمَّسوا الحكمة بفهمهم، وضعوا طريقةً تريحكم في التعامل معهم، دون أن يعيد ذلك المشكلات بينكم، بإذن الله.
وأكّدت أن أشد ما يفسد القلب ويؤدي للعداوة سوء الظن وإطلاق الأحكام على النوايا، وقالت تجنبوا الحديث -على الأقل- بسوء، وابذلوا جهدكم بتصفية قلوبكم، وأكثِروا من الدعاء بذلك، فما في القلوب ينتقل أسرع مما تقوله الألسن؛ لذلك تجد الكثير من الناس يتوترون دون أن نسيء معاملتهم؛ فقط لشعورهم بالنقص أو عدم التقدير.
وأشارت إلى أن بعض الشخصيات يفيد معها التجاهل، والبعض يحتاج إلى المواجهة بحكمة، والبعض الآخر يكفي معه الإحسان، وقد لا يُجدي شي؛ فيكون عليكم اختيار الطريقة التي تريحكم في التعامل، ولا شيء يُريح قدر ربط الأمور بالله والأجر، والرضا عن النفس؛ لأنها لم تنزلق للأخلاق السيئة بالتعامل، وللمعاملة بالمثل والانتقام للنفس، فلا شيء يعادل ذلك الشعور بأن الله معنا، وأنه من يهمنا رضاه، وقتها ستبدو كل الأمور صغيرة، ولا تكاد تؤثر علينا.
Scroll to Top