انتكاس الشباب بعد الاستقامة.

انتكاس الشباب بعد الاستقامة، الأسباب والعلاج: 
أجرت الحوار الصحفية: أمينة سعيد.  

د. وادي: الانتكاس من عمل الشيطان ومن أسمى غاياته.
د. أبو ندى: من أسباب الانتكاس الغلو والتشدد الذي يكون في غير محله.

الثبات على الطاعة من أعظم الاختبارات التي يتعرض لها المسلم طيلة حياته؛ فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والموفق من هداه الله وثبّته على الطاعة، والشقي من انتكس وعاود السير في طريق الضلال بعد الهداية؛ لذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهُما كما يشاء)، وكان يكثر من دعاء (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)؛ فكان إلقاء الضوء على الانتكاس بعد الهداية مسألة غاية في الأهمية، فالوقوف على مفهوم الانتكاس، وأعراض المنتكس، وأسبابه سبيل الوصول إلى طرق العلاج الناجحة.

آفة الانتكاس:
بدايةً يقول د. نادر وادي -أستاذ الحديث الشريف وعلومه من غزة- إن الناظر إلى أمراض الأمة اليوم يجدها كثيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن هذه الأمراض التي تصيب الشباب المسلم مرض أو “آفة الانتكاس”، مضيفًا أن الانتكاس من حيث الأصل اللغوي هو من العود، والرجوع، والانقلاب، والعجز عن اللحاق، وهو من حيث المعنى الاصطلاحي هو الانقلاب والارتداد إلى المعصية بعد الطاعة، وإلى ضلال بعد الهدى، وإلى الكفر بعد الإيمان نعوذ بالله من ذلك.
كما أشار إلى أن الانتكاس مرض خطير، وآفة فتاكة تصيب الملتزمين من أبناء المسلمين؛ فينقلبوا إلى الضلال بعد الهدى، وإلى الجهل بعد العلم، وإلى الحَوَر بعد الكَوَر.
هذا وبيّن د. وادي خلال حديثه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستعيذ منه فكان يقول فيما رواه الترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قال: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَافَرَ يَقُول: ((.. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرَ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْر) أي: أعوذ بك من الرُّجُوع مِنْ الْإِيمَان إِلَى الْكُفْر، وَمِنْ الطَّاعَة إِلَى الْمَعْصِيَة، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك) كما جاء في رواية الترمذي عن أنس: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) فلما سأله أنس: يَا رَسُولَ اللَّهِ: آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ (نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ) “سنن الترمذي”.
على الصعيد ذاته أوضح د. وادي أن الله عز وجل ذكر هذه الآفة في كتابه العزيز وحذّر المؤمنين منها.
آفة قديمة:
كما أكّد أستاذ الحديث الشريف وعلومه، أنه لا بد أن يعلم المسلم أن الردة والانتكاس من عمل الشيطان، بل من أسمى غاياته، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) ، محمد: 25، موضحًا أن الانتكاس بمفاهيمه المختلفة -سواءً كان ترك الدين بالكلية، أو ترك الالتزام، أو ترك عمل صالح يعتبر آفة قديمة، ويُعتبر أول المنتكسين هو إبليس -لعنه الله- لما خالف أمر الله بالسجود لآدم بعد أن كان إبليس من سادة الملائكة ومن العُبّاد المقربين.
وشدّد على أنه لا بد أن يعلم المسلم أن القلب البشري ليس بيده وإنما بيد خالقه يقلبه كيف يشاء -سبحانه وتعالى- وليستحضر المرء دائمًا هذه الآية المخيفة التي توجل لها القلوب: (فَإِن زَلَلْتُمْ من بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة: 209، فقد ختم الله عز وجل الآية بذكر عزته وحكمته، “والمراد بالعلم أن نحذر ممن له العزة” فهذا وعيد على من زلّ بعد قيام الحجة عليه”، وحذّر د.وادي: أنه ليس بأحد بمعزل عن هذه الفتنة وهذه الآفة بما في ذلك العالم.
عدة أسباب الانتكاس:
وعرّج خلال حديثه عن أسباب الانتكاس وذكر منها: التكبر بغير الحق كما في قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) الأعراف: 146، فهذا توعُّد من الله تعالى لهؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق؛ فقد يتكبر الإنسان عن اتباع الحق رغم وضوحه، لكنه ليعلم علم اليقين أنه سيصرف عن الهدى لأنه ظلم نفسه ولم يؤمن بآيات الله التي جاءته.
إضافةً إلى الزيغ عن الحق كما جاء في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف: 5، فتبيّن الآية أن الإنسان هو الذي يبدأ بالزيغ، ويقود نفسه إلى الضلالة بعد الهدى.
وذكر د. وادي أن من الأسباب أيضًا التعرض للفتن وعدم إنكارها وما أبلغ قول النبي وهو يصف أحوال القلوب، ومدى تأثرها بما يعرض عليها، وما يمر بها من فتن وشبهات قَالَ حُذَيْفَةُ بن اليمان سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاء وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاء حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) “صحيح مسلم: 207”.
وحذّر المسلم من اعتزال المؤمنين، وعدم مخالطة الناس؛ لأن هذا من خطوات الشيطان ليتفرد بالمؤمن ويملي عليه ما يريد دون أن يجد له منازع فيه، وأوضح أن اتباع الشهوة، وإطلاق البصر من أسباب انتكاس الإنسان فلقد قال الله تعالى لعباده المؤمنين على لسان رسوله: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور: 30، وإطلاق البصر باب عظيم من أبواب الشر.
شروط التوبة:
مبينًا أن الحنين إلى الماضي ينافي شروط التوبة، وهو أحد أسباب الانتكاس، ومعناه أن يحن للعودة إلى الماضي بما فيه من معاصي ومنكرات ومخالفات، منوهًا إلى أن من شروط التوبة: الإقلاع عن الفعل، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه؛ فعلى الإنسان المسلم أن يهجر الماضي وينساه تمامًا، وأن يتجنب كل ما يذكره بالماضي من شريط أو صورة أو آلة موسيقية أو رسالة أو هدية أو ما شابه ذلك، وأن يعلم أن من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، وبقليل من الجهد والجهاد منه سينزل الله عليه هداه ورشاده قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت: 69.
وأوصى بالإخلاص في الدين إذ أن عدم الإخلاص سبب في الانتكاس فعلى المسلم إذا هجر الجاهلية وما فيها من ضلال، واتبع الحق وما فيه من هدى أن يكون ذلك كله لله وليس لمصلحة دنيوية يرجوها.
وحذّر في الوقت ذاته أنه قد يكون انتكاس الشباب بسبب جفاء وغلظة مربيه ومعلمه وهذه تعد من أخطاء المربين وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا) آل عمران: 159، إضافةً إلى عدم تحمل الأذى في سبيل الله فالأذى الذي قد يلحق بالمسلم هو نوع من البلاء والاختبار من الله تعالى له؛ ليرى صدق إيمانه (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) العنكبوت:2، وقد أوذي الأنبياء والصديقون والصالحون وكانت العاقبة لهم، فهي سنة إلهية ماضية.
وقال: إن من أسباب الانتكاس استعجال النظر، وانتظار قطف الثمر فقد يستعجل المسلم قطف الثمر وحصول النصر وينسى أحيانًا أن لله في خلقه سنن لا بد من أن تمضي وتقهر كل إرادة، ولكن ليعلم علم اليقين أنه وإن طال الزمان فإن النصر للحق، مبينًا أن أحد أسباب هلاك من قبلنا من الأمم الغلو في الدين كما قال الحق تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيلِ) المائدة: 77، ويعد سببٌ للانتكاس المسلم.
وشدّد د. وادي: على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى وحذّر من الغلو في الدين حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) “رواه البخاري”، وفي رواية: (القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا).
وأكّد أن الفتور وضعف الإيمان وقلة العزم شيء طبيعي في الإنسان المؤمن، فالإيمان في عقيدة أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، لكن الأمر غير الطبيعي وغير المقبول أن يرضى الإنسان بما هو عليه من فتور وضعف، وأن لا يجاهد نفسه لاستعادة الإيمان وتقويته من جديد.
متابعًا، إن ضغط الحياة وحب المال والدنيا والحسد والغرور وحب الظهور أحد عوامل انتكاس الإنسان فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هريرة: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِط تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ) “رواه البخاري”.
خطوات العلاج:
وعرّج د. وادي على أهم خطوات العلاج وقال: “أن من أول -بل أهم- خطوات العلاج هو معالجة سببه، فاجتناب كل أسباب الانتكاس السابقة سبيل إلى تجنب الانتكاس بعون الله تعالى”، ونصح بضرورة السمع والطاعة لأمر الله ورسوله؛ لأن في ذلك الثبات والتثبيت من الله على الإيمان لمن أطاعه، واتبع هداه، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) النساء: 66، فالطاعة تثبت المؤمن على الإيمان، والعكس صحيح فالمعصية تزل بها قدم المؤمن والمعصوم مَن عصمه الله.
ونادى د. وادي بالدعاء وقد سبق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من قوله: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) كان يدعو في سفره: (.. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرَ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْر).
وشدّد على مجاهدة النفس فلا بد أن تكون الخطوة الأولى من الإنسان نفسه، فيجاهد نفسه ولا يستسلم لأدنى مواجهة مع الفتن، ومن ثم تأتي المعونة من الله عز وجل إن رأى صدق التوجه قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت: 69.
المنتكس:
بدوره أكّد د. خالد أبو ندى عميد شؤون الطلبة وأستاذ علم النفس التربوي المساعد في جامعة الأقصى ورئيس دار القرآن الكريم والسنة برفح أن المنتكس في اللغة العربية هو المريض الذي عاد إلى مرضه بعد أن شفاه الله تعالى، والانتكاسة هي انقلاب الشيء على عقبيه أو على رأسه فالانتكاسة في اللغة تعني توقف وبطء في التقدم وتغير من الجيد إلى السيء.
مبينًا أن المنتكس في العرف هو من سلك طريق الهداية والالتزام، ثم عاد أدراجه وانقلب عن تاركًا هداه يقوده هواه وإلى سبيل الزيغ والانحراف؛ لذلك هذه الانتكاسة أو ما يسمى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الانقلاب.
منوهًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من ذلك وكان من دعائه دائمًا لله يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وكانت أم سلمة -رضي الله عنها- تلحظ كثرة دعاء النبي بهذا الدعاء فسألته يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء فقال: (يا أم سلمة إن ما من آدميٍ إلا قلبه معلق في إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).
موصيًا كل مسلم أن يستعيذ بالله من الفتنة، وأن يستعين بالله ويشكره فهو له الفضل وحده سبحانه وتعالى أن يثبت عباده المؤمنين على طريق الهداية وهي نعمة عظيمة ومنة جليلة بفضل الله تعالى.
نوعان للانتكاس:
هذا وعرّج خلال حديثه على أنواع الانتكاس وذكر أن الانتكاس نوعان:
الأول- انتكاس يتعلق بالفكر والعقيدة وهو أخطر وأسوأ أنواع الانتكاس؛ لأن الإنسان إذا ألقي في قلبه الشبهات نحو دينه ارتد إلى دينه سهمًا يهاجم دينه ويدعو إلى غير دينه وعقائده وما نراه تحت مسميات التنوير وغير ذلك.
الثاني- هو الانتكاس السلوكي ويعد الأهون من وجهة نظره من النوع الأول وهو الذي يكون فيه فتور في العبادات والشعائر وصاحبها إنما يكون في ضعف وهبوط في مستوى الإيمان يحتاج إلى من يدفعه ويرشده إلى الله سبحانه وتعالى.
الفهم المغلوط:
ولفت إلى أن أسباب الانتكاس متعددة، وأول هذه الأسباب إهمال مصادر التربية الإيمانية، وعدم الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى لهدايته وعدم التواصل دومًا بالتواصي بالحق مع إخوانه، والعلم الشرعي مثل المساجد وحلق الذكر.
وذكر أن قلة العلم والفهم المغلوط للإسلام في بداية التربية والنشأة سبب من أسباب الانتكاس موضحًا أنه إذا كانت البدايات خاطئة يظهر هذا الخطأ على تقدم صاحبها، ويتضاعف هذا الخطأ ويتضاعف الأثر الذي ينعكس على من يحيط به حتى يصل به الحال يومًا أن يفارق الجمع اعتدادًا برأيه وهواه.
متابعًا أن من أسباب الانتكاس الاتصال ببيئات تسودها الفتن والشهوات والشبهات تبدأ تتداخل إليه هذه الفتن تسحبه وهو لا يشعر شيئًا فشيئًا إلى مزالق الانحراف؛ لذا الله عز وجل حين تحدث عن اتباع الشيطان قال: (لا تتبعوا خطوات الشيطان) ولم يقل لا تتبعوا الشيطان لأنه حين يزلق أصحاب الحق ينتقل بهم خطوة خطوة إلى الضلال.
وبيّن د. أبو ندى أن من أسباب الانتكاس الشخص الأمعية ونعني بذلك عدم قدرة الإنسان في بداية خطواته أن يكون له رأيًا خاصًا به وفي هذا المقام دعا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم التبعية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا) مؤكدًا أنه لا يصح أن يتبع كل إنسان في كل ما يفعل فلا بد أن يكون عند الشخص من المعايير الشرعية، والضوابط التي تدفعه نحو الهداية، إضافةً إلى أن أحد أسباب الانتكاس هو الاعتداد بالذات فحين يتكبر الشخص ويرفض النصيحة فهذا يدفعه شيئًا فشيئًا إلى أن يغادر ميدان الهداية، وذلك اعتدادًا برأيه واعتزازًا بضلاله.
وتابع د. أبو ندى أن من أسباب الانتكاس الغلو والتشدد الذي يكون في غير محله، مبينًا أن هذا المنهج ساد في بعض البيئات وقد تسرب هذا المنهج إلى كثير من الشباب، وهو على خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أن الانغماس في الدنيا وشهواتها، والمبالغة في المباحات عند الكثيرين يعد من أسباب الانتكاس؛ مما يجرهم إلى المحرمات إضافةً إلى التعلق بالذوات والأشخاص وخاصة إذا انحرف أصحاب القدوات ولذا على المسلم ألا يتعلق إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة ومن قضى من الصالحين.
وأشار إلى أن حب الظهور والشهرة أحد أسباب الانتكاس خاصة في ظل تطور وسائل الإعلام، وتجد منهم من يحاول الظهور من خلال الآراء الغربية فقط من أجل الشهرة وتصدر المشهد الإعلامي.
حسن الصحبة:
وتطرق د. أبو ندى خلال حديثه إلى دور البيئة والأصدقاء في التأثير على شخصية الإنسان فهي التي تتلقفه من ميلاده، وربما تصنع لديه اتجاهات إيجابية أو سلبية؛ فهناك بعض الأسر تعطي انطباع لأبنائها أن الالتزام بالدين تشدد، وأنه يلهي الإنسان عن حياته وعن مستقبله وغير ذلك؛ متأسفًا أن يكون هذا تفكير كثير من الأسر والتي قد تخسر أبناءها من حيث لا تشعر، ناصحًا هذه العائلات أنه ليس هناك عاصم بعد الله سبحانه وتعالى إلا التزامه بطريق النبي صلى الله عليه وسلم، والعاصم لهم من الضلال والزيغ والانحراف الخُلقي والأمني الفكري والإغراق بالشهوات فهو يعصم بأمر الله سبحانه وتعالى.
وأوصى الأهل بتشجيع أبناؤهم على حسن اختيار أصدقاؤهم، وأن يكونوا من أصحاب التقى والورع؛ لأنه كما هو معروف فإن الصاحب ساحب فإما يسحبه للشر أو الخير ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
الضوابط الشرعية:
وكشف د. أبو ندى أن التطور التكنولوجي وشبكات التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في ضعف الالتزام حيث إن كثير من الشباب لا يحسنون التعامل بالضوابط الشرعية مع هذه الوسائل وهذه الأدوات التكنولوجية؛ لذا نراهم يقعون بين نارين نار الشهوات ونار الشبهات إذ أن نار الشهوات تدفع الإنسان إلى الانحراف السلوكي وبناء علاقات محرمة وغير ذلك مما نراه على  شبكات التواصل الاجتماعي التي يسرت للشباب الحرام وجعلته في متناول الجميع فهم لا يحتاجون إلى السعي إلى الحرام بل الحرام يسعى إليهم من خلال استخدامهم الخاطئ لهذه التكنولوجيا، وفي الإطار ذاته حذّر من الأمر الأخطر من ذلك وهو نار الشبهات التي يغوي بها أصحاب الزيغ الفكري عقول الشباب ممن ليس لديهم الحصانة الفكرية أو العلمية من هذه الأفكار المسمومة، فتتراكم هذه الشبهات فينحرف الإنسان عن دينه وتؤدي إلى انتكاسه، وقد نجد بعضهم ممن يزعم بالتزامه وقد يكون من أصحاب المنارات والهدى التي يتمنى أن يقتدي بهم بعض الناس ونجدهم يتهمون الإسلام بالتخلف والرجعية ظنًا منه أنه يعيش في النور وهو لا يعلم أنه يعيش في ظلام دامس، منوهًا إلى أن هذه الشبهات خطيرة تؤدي إلى الهلاك والابتعاد عن دين الله عز وجل.
وشدّد على ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية، واستخدام هذا الانفتاح في خدمة الدين، ونشر الفائدة العلمية، وزرع مراقبة الله عز وجل في النفوس.
الكور قبل الحور:
من جانبها بيّنت أ. نسيبة أم الحارث أنه وجب التعامل مع المنتكس بتركيز كلماتنا ومساراتنا حول حاله الأول! “الكور قبل الحور”! وأن نسرد له النماذج الطبية التي حادت عن الطريق ورجعت بفضل الله وأن نتبعد عن ذكر الأمثلة التي حادت وانحرفت وانتكست، وأن نوقظ به بعض المعاني التي تُأجج في قلبه الحنين لتلك المرحلة الماضية من حياته هذا إن كان عاطفيًا في شخصه! أما إن كان عقلانيًا فنذكره بمبدأ: إن تولوا يستبدل قومًا غيركم! وكيف أنه كان في نعمة الاستعمال من الله، وعليه أن يؤوب، ولا يحرم نفسه منها وزوالها.
وترى أن من أسباب الانتكاس بالنسبة للرجال الارتباط بعمل دنيوي يستنزف منه جهدًا بدنيًا وذهنيًا كبيرًا، لا يقوى معه من الجمع! أما النساء قد يكون الانشغال بالأولاد، وشواغل البيت دافع للانتكاس والابتعاد، منوهةً إلى أن للتطور دور كبير جدًا بالأخص إن صادف شخصيات ركيكة هشة، تتأثر أكثر من كونها مؤثّرة!
وفيما يتعلق بالعلاج بيّنت أن كل حالة لها علاج وهذا بحسب حدة الانتكاس، وجوانبه، ودرجته! فالذي انتكس مع عداء؛ فهو واقع غالبًا تحت تأثير حرب شبهاتية واضحة، أدّت به لحدوث انقلاب في آلية الفكر، ليغدو إلى جوار تنحيه عن الثغر الذي كان يسدُّه، معاديًا لمن كانوا يشاركوهم هذا المضمار في ميدانه السابق.
أما من انتكس لفتنة أو شهوة! فظهر ذلك على هيئة اختلال في الهوية الظاهرية من التهاون في محادثة النساء، ومضاحكتهن، والميوعة في تعامله معهن! أو في لباسه وأسفاره، فتبددت بذلك سلوكه الأصيلة، وقد اختلت وانقلبت بعد أن كان أنموذجًا للشخص المتّزن، وقد يكون خلط بين الأمرين فمن الواجب نصحه ورده إلى الطريق الصحيح.
Scroll to Top