الداعية القوي هو الذي يشغل مكانه بكل فاعلية وتمكن ودون نقص في أي ناحية من النواحي.

الداعية القوي هو الذي يشغل مكانه بفاعلية دون نقص في كل النواحي:
ضيف الحوار: د. أحمد مشتهى.
أجرت الحوار: أمينة سعيد.

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين، ومهمة الأتقياء والصالحين، ووصية السلف والتابعين؛ لذا تعد من أشرف وأنبل المهام على وجه الأرض، والداعية القوي المتميز هو أحد أعمدة الدعوة الصحيحة؛ لذا وضع الإسلام العديد من الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعية حتى يقوم بمهامه على أكمل وجه، وهذا ما أكده المحاضر في كلية الدعوة بفلسطين فضيلة الدكتور أحمد مشتهى في حواره معنا مبينًا أن هذا أمر مطلوب من الدعاة؛ لينالوا ثقة المدعوين، وإلا تركوهم وبحثوا عن غيرهم ممن يملك ناحية من نواحي القوة والتميز …إلى نص الحوار.
ما معنى أن يكون الداعية قويًا؟
القوة في فهم الدعاة لها واقعها الخاص حيث أنها لا تنحصر على ما يفهمه عامة الناس بأنها تظهر في مفهوم الشدة، أو القسوة، أو الغلظة، أو السلطة في الرأي، والتسلط على الآخرين، وممتلكاتهم؛ وإنما هي تمتد لتشمل كل نواحي القوة والتميز اللازمة للداعية حتى يكون نموذجًا في حياته ودعوته، لا أن يكون هزيلاً أو ضعيفًا في ناحية من النواحي، فمطلوب منه مثلاً أن يكون قويًا في جسده، ومن نواحي قوته في جسده صحته، ورشاقته، وحيويته، وقويًا في عقله، ومن نواحيها ملكة حفظه، ودقتها، وعمق تحليله، وفهمه، وبناء تصوراته للمستقبل بتقصي الحاضر والماضي، فالمؤمن كيّس فطن، وكذلك يلزمه أن يكون قويًا في إيمان قلبه، وواقعه في مجتمعه كأب وابن وزوج وأخ وعم وخال وجار ومسلم قبل ذلك وبعده، باختصار الداعية القوي هو الذي يشغل مكانه بفاعلية وتمكن دون نقص في كل نواحي وجوده، ومسؤولياته، وتمثيله للإسلام والمسلمين.
لماذا حث الإسلام على القوة والإعداد لها وأظهر أهميتها؟
بكل تأكيد الإسلام يصنع الأقوياء بمنهجه القوي المتين، ولا يقوم إلا بالأقوياء فلا مكان للضعفاء في قيام منهج الإسلام، ولا أقصد طرد الضعيف جسدًا أو مظهرًا، فرب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره فهو قد ملك قوة الإيمان واليقين، وقد حث الإسلام على القوة كمبدأ عام في كل الأطر والنواحي منفردين أو مجتمعين حيث قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل) ويخطر لي موقف أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عندما مال لتولي مسؤولية ما، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشار ضمنًا لعدم مناسبتها لمواصفاته الشخصية التي منها القوة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ ضعيف)
كذلك قوة أفراد الأمة فردًا فردًا وجماعة جماعة هي إشارة صريحة على قوة البناء المجتمعي العام، وعلى قوة النظام الذي يربط كل مكونات المجتمع المسلم باختلاف ظروف أفراده حيث جعلها قائمة على قاعدة الحقوق والواجبات، وهي قاعدة ظهرت قوتها بإنصافها لأهل الحقوق منفردين أو مجتمعين، وألزمت أهل الواجبات بالقيام بواجباتهم.
هل قوة الداعية هي طريقه للتميز في دعوته؟ وكيف يكون تأثير ذلك على المدعوين؟
طبعًا؛ فالناس بطبعهم يميلون للاستظلال بالأقوياء، ولو في ناحية من نواحي مهاراتهم الحياتية أو العملية، خذ مثلاً الطلبة في الصف الدراسي “مجتمع صغير” باختلاف مستواهم وأعمارهم، مَن يحترمون؟ صاحب التميز والقوة في تحصيله، وصاحب التميز والقوة في بدنه، وصاحب الموقع الاجتماعي باعتبار ولي أمره، وصاحب المال، وكذلك كل من له عنصر قوة مؤيد به له احترام خاص به بين زملائه، على عكس مكسور الخاطر والجناح فهو في محل الاستضعاف والامتهان، وهذا فعلاً مثل صغير لواقع المجتمع الكبير.
فهو عمليًا أمر مطلوب من الدعاة؛ لينالوا ثقة المدعوين، وإلا تركوهم وبحثوا عن غيرهم ممن يملك ناحية من نواحي القوة والتميز.
لماذا يجب أن يحرص الداعية على التميز؟
لأنه يحمل منهج حياة مميز، منهج قوي بوضوحه، وشموله، وتكامله، ولأنه ينتمي لأمة لديها من مقومات القوة ما لا تملكه أمة سواها على وجه المعمورة، هذا من جانب.
ومن جانب آخر حرصه على تميزه وقوته واجب لأنه يعطي المثال الحق للفرد المسلم الحق؛ فينقاد له الناس بقوة منهجه، والأثر الذي تركه على شخصه، لا أن يكون داعية ضعيفًا في ذاته، ويحمل منهجًا قويًا غير منتفع به، وكأنه في هذه الحال كالحمار يحمل أسفارًا، وكأنه يدعو عمليًا إلى نزع الثقة من المنهج الذي يحمله، ويدعو إليه لعدم تأثره به واقعيًا، وهذا محل إنكار من الله تعالى على من يدعون لشيء ولا يعملونه، حيث قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون) عافانا الله وإياكم.
كيف السبيل للتميز في الدعوة؟
ربما يظن البعض أن التميز لدى الداعية في دعوته يلزمه أن يكون مكتملاً في كل النواحي العملية اللازمة للقيام بأعمال الدعوة بإتقان مطلق، وهذا غير حاصل في مجتمع البشر المتغير، والذي فيه أن لكل فرد ظروفه، وإمكاناته الشخصية المتغيرة، أما المطلوب فهو داعية يعرف في نواحي الدعوة ما يلزمه أن ينفذ عملاً بإتقان،
أو على الأقل أن يوجه نحو من يتقنه من أبناء الدعوة، والأولى مع معرفته العامة في نواحي أعمال الدعوة، ومتطلباتها أن يختص بناحية من نواحي علوم الدعوة وأعمالها؛ فيكون مرجعًا لأهلها في اختصاصه، وبهذا يظهر نجمه في ميدان الدعوة وينتفع به أكثر عدد من روادها في محل قوته ودرايته، والعكس صحيح فإن غاب التخصص ذاب وسط عموم الدعاة والناس دون حضور متميز، وربما الخطوة الأولى للتميز في الدعوة انتماءً وعملاً هو الفهم، فإن حصل الفهم الصحيح فُتحت أبواب الخير على مصراعيها للعامل في ميدان الدعوة، ولن يتحصل ذلك إلا بالاتباع الصحيح للمنهج النبوي الصحيح، أما إن تجاوزنا الموروث الصحيح وخلطنا بينه وما تهوى أنفسنا أو يمليه علينا مجتمعنا، فبكل يقين البذور المشوهة لن تنبت ثمارًا معتبرة، والفهم الخاطئ لن يؤدي لأعمال مقبولة، فالشرط العام لقبول العبادة بعد الإخلاص هو الموافقة، والموافقة أصلها الفهم الصحيح.
ومن الخطوات نحو التميز أسردها بنقاط:
– القدوة العملية: اقصِد اتخاذ شيخ معلوم الصلاح بعينه محل التزام الداعية.
– الصحبة الصالحة: وهذه تبدأ من الزوجة الصالحة وتمتد لكل الناس المؤهلين بصفة من صفات الصاحب.
– طلب العلم الشرعي: وأعلاه الحياة مع القرآن الكريم.
– مجاهدة النفس وترويضها نحو الفضيلة في كل نواحيها، وتجنبيها الرذيلة وما يؤدي إليها.
برأيكم ما هو الهدف من أن يكون الداعية مميزًا؟ وكيف يؤثر تميزه على دعوته؟
هذا مرتبط علميًا بثقة المدعوين بمحل الدعوة، وأثرها على الدعاة أولاً، ولنا مثال في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو القدوة، والأسوة الحسنة، والحسنة اسم جامع لنواحي التميز والقوة، ونافٍ لنواحي التردد والضعف، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان قويًا في كل النواحي اللازمة لنجاح الدعوة بدءًا من قوته الشخصية، وامتدادًا للحضور الأسري، والاجتماعي، والمكانة في ذلك، ولا نغفل قوته الثقافية، والإدارية، والمالية، والأمنية، والعسكرية، فهو مثال في كل النواحي، ومكتبتنا الإسلامية مليئة بالدراسات التي عايش أصحابها سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- واستنبطوا منها نواحي تميزه، وقوته صلى الله عليه وسلم.
كيف ساهم الانفتاح العالمي والطفرة الإلكترونية في تميز الداعية وإبداعه؟
يكفينا في ذلك أن نقول أنها اختصرت المسافات، ووفرت الأعمار والأموال في نقل التجربة، والوصول للخبرة؛ فالوسائل الحديثة في الشبكة الإلكترونية أعطت الفرصة الكبيرة للدعاة في المشاهدة، والاستماع، والقراءة، بل والمشاركة في تجاربهم، وخبراتهم الشخصية من قطر إلى قطر، وإلى كل أمصار العالم الإنساني، وهذا في زمن سابق اقتصر في فئة من الناس تملكت الجرأة في السفر، وهجر الوطن، وترك المال والولد، بل وضحت بأنفسها أولاً، وأملاكها في سبيل طلب العلم، وعلى الرغم من محدوديتها وقلتها إلا أنهم أورثونا المجد التليد، وبنوا أمة عريقة بامتداد السنين.
وحاليًا ربما الناس في صدمة واندهاش من التطور التكنولوجي المتسارع حتى أن بعضهم وخصوصًا من المتقدمين في السن غير مقتنعين أن ما يحصل هو فعلاً حاصل، ففي أزمنتهم القريبة عايشوا ساعي البريد، وانقطاع خبر المسافر الوحيد، والواجب على الدعاة اليوم والمؤسسات الدعوية أي التي تُعنى بالدعوة، وتطوير الدعاة أن يسابقوا الزمن في تأهيل الدعاة لما هو آت، بل ويسابقوا الدول في التوجيه السليم للاستفادة من الوسائل الحديثة في الشبكة الإلكترونية، وإن كنت أدعو إلى شيء فأدعو نفسي وغيري إلى المسارعة في التمكن من إنشاء التطبيقات، والبرمجيات التي تشتغل على أساسها تلك الوسائل، وليكن لنا حضور مشهود يلحظه كافة المستخدمين، أما إن رضينا بواقعنا اليوم حيث المشاركة الضعيفة، والمتفرقة، والفردية من الجهات الدعوية فلن يلتفت لدعوتنا أحد من الناس؛ كونهم يعيشون في عالم آخر، ولا زلنا نبحث عن أسباب الصدمة، وآثارها، ومن الأحق باستخدام تلك التكنولوجيا.
ما هي معوقات التميز في العمل الدعوي؟ وكيف يمكن أن يوجهها الداعية؟
لعل المعوقات تتغلب على عوامل النجاح في كثير من الأحيان؛ كون الجنة حُفت بالمكاره، وواجب الداعية أن يصمد في وجه هذه المعوقات، والمكاره التي يمكن أن نصنفها ما بين متعلق بذات الداعية وشخصه، أو وافد عليه من البيئة التي يعيش فيها.
فمثلاً من المعوقات الذاتية ضعف الإيمان، والوازع الديني، وهذا يمكن علاجه بالتقرب من الله -سبحانه وتعالى- أكثر بالتطبيق الصحيح للفرائض، والزيادة من النوافل، والصحبة الصالحة، ولا يغيب عنا لو استذكرنا مآل الإنسان ومصيره، فهو بوابة العبرة في كل لحظة، فالموت وما بعده كافٍ ليعظ مَن مات ضميره، وضعف إيمانه.
أما المعوقات الخارجية فمنها مثلاً حالة الفقر المالي، والدون الاجتماعي، وهذا ينتج لحظة مقارنة الداعية نفسه مع غيره ممن هم أعلى منه درجة أو أكثر مالاً وأحسن حالاً، وهذا يمكن علاجه وتجاوزه بالنظر إلى من هم دونك، وإلى مَن فقدوا نعمةً أنت تعيش رغدها، وابدأها من الصحة ومفرداتها حواسك وأعضاء جسدك، وقوتك، وعقلك، وانتقل لنواحي النعم التي لا تعد ولا تحصى في حياتك الشخصية، والجماعية، وربما الوسيلة الأنجح لهذه الحالة أن تزور المقابر فتتذكر نعمة الحياة التي تملكها، وتزور المستشفيات فتعتبر بحال مَن فقد الصحة، وتزور مؤسسات رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة سواء العقلية منها أو الحركية، ففيها العبرة العملية، وأعطِ لنفسك الفرصة لتزور بيوت اللقطاء، فتعيش لحظة الأصالة في النسب، والقوة الاجتماعية بالاستناد إلى الأبوَين والأهل مقابل من ظهر على الدنيا وحيدًا بل ويجعله الناس محل ذنب وجريمة، وما أكثر النعم لو استشعرناها، فالحمد لله على نعمه ظاهرةً وباطنة.
هل يخشى أعداء الدين من الداعية المتميز؟
الضعيف أيًا كان لا مكان له ولا اعتبار، لكن الحساب والاعتبار للقوي؛ فالعدو وأعوانه عندما يخططون لمواجهة أمتنا تراهم يصنفوننا صنفين، أقوياء وضعفاء، جل خطتهم لمواجهة الأقوياء، وجزء منها لاستخدام الضعفاء في مواجهة الأقوياء؛ لذلك الداعية المتميز القوي هو محل استهداف الأعداء، فليستعد لذلك، ويحمي نفسه بتهيئتها للمواجهة الصريحة، وليتسلح بالثبات ركنًا أصيلاً في معاني الانتماء لهذه الدعوة.
والمعادلة تقول كلما زاد تميز الداعية وقوته زادت فرص استهدافه والتضييق عليه؛ لذلك واجب على الدعاة أن يتميزوا، ويجهدوا في ذلك نصرة لدينهم وأمتهم.

Scroll to Top