آثار العولمة في تنمية المجتمع ومسؤولية الفرد والمجتمع نحوها الجزء الثاني.

آثار العولمة على  تنمية المجتمع المسلم، ومسؤولية الفرد والمجتمع نحوها:
ضيفة الحوار: نورة السعد.
أجرت الحوار: شبكة الفجر.
“بتصرف”.

الجزء الثاني
س4- ما الآثار الاجتماعية للعولمة؟
أما الآثار الاجتماعية للعولمة  المعاصرة فيمكن تلخيصها في الآتي، وهو على سبيل المثال وليس الحصر: أن معالم هذه الآثار تتحدد من  خلال مؤتمرات دولية، والغرض منها تأطير الأنماط السلوكية الشاذة التي تتعارض مع الفطرة الإنسانية ونشرها، بل والتسلل لاحتواء موارد الدول الفقيرة واستغلالها لصالح المؤسسات المالية الغربية، على سبيل المثال: المؤتمر العالمي للسكان والتنمية في القاهرة في عام 1994م، وفي عام 1995م عقد مؤتمر  بكين، وفي عام 1996م عقد مؤتمر الإيواء البشري في اسطمبول في تركيا، هذه المؤتمرات أشرفت عليها الأمم المتحدة، وكانت الشعارات التي تحيط بها هي “تحسين أوضاع العالم الاقتصادية والتجارية والعمرانية والاجتماعية …”، ولكن حقيقة الأمر خلاف ذلك؛ لأن تنفيذ ما تسعى إليه توصيات واتفاقيات هذه المؤتمرات التي يتم التوقيع عليها من قبل الدول المشاركة سيؤدي لاحقًا إلى تأطير السلوك الاجتماعي واستبعاد الجوانب الأخلاقية في السلوك  الاقتصادي؛ مما يؤدي إلى تعميق الفجوة بين الأغنياء وزيادة فقر الفقراء  وخصوصًا في مجتمعاتنا الإسلامية.
أما تأثير هذه المؤتمرات في مجال الأسرة؛ فالمحاولات مستمرة لإخلال بدورها في المجتمع وذلك من خلال تغيير دورها، وتعديل أو إلغاء مفهوم العلاقة  الزوجية، وخير نموذج يوضح هذا التوجه وسياساته هو الآتي:
** اعتبار الأسرة والأمومة والزواج من أسباب “قهر المرأة”
** إغفال أو التقليل من دور الزوجة والأم داخل بيتها ووصف ذلك الدور بأنه غير مهم وغير مدفوع الأجر.
** تم إلغاء مفهوم العلاقة الزوجية في بنود هذه الاتفاقيات، واختفت كلمة “الزوج” وحل محلها الزميل أو الشريك!

والحقوق الإنجاب حقوقًا ممنوحة للأفراد والمتزوجين على السواء، وإنجاب الأطفال لا يشترط أن يكون ضمن العقود الشرعية للزواج، وهو ما نشاهده الآن في العالم الغربي من احتفال بعضهم بالزواج بعد إنجابهم أبناء غير شرعيين بسنوات طويلة.
** لم تدرج كلمة الأمومة في بنود هذه المؤتمرات سوى “6 مرات” فقط!! لأن الاتجاه القادم هو إعلاء المفهوم الجديد للأسرة، والتي يطلق عليها “تعدد أشكال الأسرة” تمهيدًا لإشاعة زواج الشاذين وتمكينهم من الحصول على مسمى  “أسرة”!
** ظهور مصطلح جديد ي ثقافة العولمة التي تدعمها هذه الاتفاقيات يسمى ب”استبطان المصطلح” فالشذوذ الجنسي مثلاً يطلق عليه مسمى “ميل جنسي” أو “تفضيل جنس”، وتداول هذا المصطلح بهذه الكيفية يبعده عن المدلول الأخلاقي والشرعي الذي له أهميته في النسق الثقافي الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية، والخطر هنا يكمن في أن تسمية الفعل الشاذ بهذا المسمى “المحايد كما يقال” سيرتقي بأي إجراء قانوني سيستخدم بعد ذلك لأي محل رغب بهذا الشذوذ، وسيعتبر كل حساب ضد الشاذ يدخل في مفهوم “تمييز ضد” وهو ما يطلق الآن لكل حادث في مجتمعاتنتا الإسلامية.
** الاتجاه نحو التشكيك بأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بقضايا المرأة من زواج وطلاق وميراث وحضانة وقوامة الرجل وتعدد الزوجات.
** أيضًا استنفار الرغبات نحو الاستهلاك اللامحدود في مستحضرات التجميل والأزياء وتوظيف جسد المرأة لتسويق السلع بكل أنواعها، وهذا الاتجاه الاستهلاكي سوف يؤثر على ميزانية الأسر واقتصادها.
س5- كيف يمكن مواجهة آثار العولمة السلبية
إجابة هذا السؤال مهمة وإن كانت ليست  بسيطة؛ إذ إن عملية المواجهة لا تتحقق إلا بعد تحقيق بناء متكامل للذات الإسلامية على المستوى الفردي والجماعي، وهذه العملية لن ينهض بها الأفراد وحدهم، وإنما لا بد من مؤسسات قوية تستنهض الهمم وترتيب الأولويات تتمتع بقوة مادية وبشرية، وتوحد في الصف العربي والإسلامي لتتمكن هذه الأمة المسلمة من الأداء المؤثر المصحح.
ولكن يمكن للمؤسسات والجماعات أن تهتم بالإصلاح ونقترح الآتي:
– لا بد من تعزيز دور الأسرة المسلمة لمواجهة التحديات والآثار السلبية للعولمة، عن طريق تربية الأبناء تربية إسلامية نحافظ فيها على القيم الدينية والثقافية الإسلامية.
– لا بد من إيفاء المرأة المسلمة حقوقها كاملة، وتنويرها بهذه الحقوق، وضرورة الاهتمام بقضاياها؛ حتى لا تبحث عن البديل فيما يطرح على الساحة الغربية من أفكار وتوجهات بل وتناقض المبادئ الإسلامية.
– لا بد من إحداث نقلة نوعية للأنظمة الإدارية في مختلف المؤسسات الرسمية  والاجتماعية في مجتمعاتنا تصحح الخلل الإداري؛ خصوصًا أن المرحلة القادمة تتطلب امتلاك المعرفة التكنولوجية والمعلومة الإحصائية والشفافية واستشعار  المسؤولية الدينية والاجتماعية في الأداء.
– لا بد من تعزيز الاتجاه السلوكي للقيم الإسلامية؛ لمواجهة هذه المشكلات التي تعاني منها الأسرة والمدرسة من جراء طغيان المد الفضائي والغزو الإعلامي  الذي يستثير الغرائز ويشجع على الانحرافات الفكرية والسلوكية.
باختصار لا بد من تضافر الجهود الإسلامية على استعادة الوعي بالهوية الإسلامية، وتقوية الاقتصاد الإسلامي خصوصًا في هذه المرحلة من الهجمة الشرسة على المسلمين، كما أنه من المهم الاستفادة من التقنية والعلوم لدى الغرب، والعمل بإخلاص ويقين أننا سنحقق ما نريد؛ لأننا نمتلك الإرادة والمال، ولكن تنقصنا الهمة على البدء.
س6- ما العلاقة بين العولمة والعلمانية
بما أن العولمة كانت وليدة الحضارة  الغربية المادية، وهذه الحضارة قامت وتأسست على أسس علمانية تستبعد الدين عن الدولة منذ فصل الكنيسة عن الدولة فيما أطلق عليه حينها “عصر  التنوير”، والعلمانية باختصار تقوم على نقيض “اللاهوتية التي كانت تؤمن بسلطة الكنيسة في المجتمعات الغربية” حاليًا نجد أن التيار العلماني يتغلغل في الجهات الرسمية في عدد من الدول الإسلامية والعربية مثل المؤسسات التشريعية ووزارات الإعلام والتعليم؛ لأن هذه الجهات هي التي تحمل مسؤولية رسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة بما يحقق الأهداف والغايات الكبرى للمزيد من استبعاد الدين عن أنظمة الدولة، وحصره فقط في المسجد.
وبالطبع هناك فريق يطلق عليهم “النخبة العلمانية” التي تتولى تشويه  مفاهيم الدين الإسلامي إذا كنا سنتحدث عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولا  تكتفي هذه الفئة بالتشويه بل تعمل على هدم القيم الإسلامية، وإحلال  المفاهيم والقيم العلمانية بدلاً منها، ويمكن القول أن العولمة كنظام عالمي يستمد مقوماته من العلمانية سواءً  فيما يخص الاقتصاد أو الثقافة أو السياسة أو التشريعات الاجتماعية.
وأهم الكتب التي  ناقشت العولمة هي: “فخ العولمة من تأليف هانس بيتر  مارتين وهارالد شومان من إصدار عالم المعرفة رقم 238 من الكويت، والعولمة رؤية إسلامية من تأليف كامل أبو صقر من دار الوسام بيروت، والعرب والعولمة لمجموعة من المؤلفين من إصدار مركز دراسات الوحدة  العربية في بيروت، والإسلام والعولمة من تأليف عدد من الكتاب الدار القومية العربية، والعولمة النظرية الاجتماعية والثقافية الكونية من تأليف رونالد  روبرتسون المشروع القومي للترجمة، والعولمة من يربى الآخر من إصدارات مجلة المعرفة رقم 7 وهي المجلة الصادرة من وزارة المعارف-الرياض”، أما أنا فليس لدي كتاب عن الموضوع ولكن هناك عددًا من المحاضرات وقريبًا إن شاء الله سأقوم بإصدار كتاب عن العولمة وآثارها الاجتماعية على المجتمع المسلم.
إلحاقًا لما سبق  أن كتبته عن العولمة، سأذكر رأيًا للدكتور حسن الهويمل يؤكد فيه أن مشروع العولمة هو مشروع غربي صرف يجب أن نعي جيدًا سوابقه “الصليبية” و”النابليونية” و”الاستعمارية”، ومن ثم نقطع بأنه مصطلح لا جديد فيه أكثر من إعادة ترميم وهيكلة، وهو بدأ اقتصاديًا وشاع ثقافيًا، وانطمست  معالمه حين عولمه المتسرعون، وهو يرى أن رفض العولمة أو القبول بها يرتبط بخطاب حضاري متمكن يتحاشى غير الممكن، وغير المجدي، أما السفير الأمريكي في المغرب فقد وجه خطابًا طويلاً في المعهد العالي للدراسات بالدار البيضاء؛ ليوضح لهم فوائد  العولمة للمغرب والعالم الثالث فقال: العولمة ليست سياسة ابتكرت في البيت الأبيض، ولا يوجهها لا بل  كلينتون ولا بل جيتس -امبراطور الكمبيوتر وأغنى أغنياء العالم- وليست عقيدة مثل الشيوعية، كما أنها ليست مؤامرة تستهدف إثراء أي شخص أو إفقار آخر، وهي لصالح كل الشعوب في مغالطات عديدة.
ما يهمنا الآن هو أن مواجهة الآثار  السلبية للعولمة ثقافيًا واجتماعيًا واقتصادايًا ستعتمد علينا جميعًا أفرادًا وجماعات ومؤسسات وأنظمة، ولكن دعونا نبدأ من الأسرة ونسهم في إعادة دورها التربوي، وهذا يعني أن تتحمل الأم دورها الحقيقي في التربية وعدم إسناد هذه المهمة الأساسية للخدم!! والأب لا بد من إعادة دوره التربوي والأسري إلى موقعه الأصلي؛ فالانشغال  بالعمل وكسب الرزق لا ينبغي أن يكون على حساب الأسرة والأبناء، والمدرسة عليها عبء جوهري في الاستمرار في التربية والتعليم، ولا بد من فرض هذا التوجه وعدم الاستهانة به أو السماح بالخروج عنه بأي شكل، وتحت أي  مسمى، هذه الآراء تضم إلى ما سبق أن كتبته عن دور المال العربي والاقتصاد الإسلامي في مواجهة الجانب الاقتصادي للعولمة.
س7- ما دور علم الاجتماع في المواجهة الاجتماعية
ليس علم الاجتماع فقط بل كل العلوم “الثقافة الإسلامية، علم النفس، علم  الكمبيوتر ووسائل الاتصالات” على الجميع مهمة التوجيه ونشر المعلومة، كما أن الإكثار من محاضرات التوعية بالعولمة وآثارها السلبية على المجتمع مهم؛ لتجنبها ومواجهتها، وأيضًا الاستفادة من إيجابياتها، ولنا في تجربة اليابان خير دليل.
لكل قراء شبكة الفجر تحياتي لكم وللمسؤولين وللجميع جزيل الشكر، والمعذرة إن كان هناك أي تقصير فهي التجربة الأولى أن أكون ضيفة في منتدى إلكتروني.
Scroll to Top