قصص من حياة الصالحات المعاصرات الجزء الثاني.

قصص من حياة الصالحات المعاصرات:
عبد السلام العييري.

الجزء الثاني
القصة الحادية عشرة: امرأة مات زوجها وهي في الثلاثين من عمرها، وعندها خمسة من الأبناء والبنات، أظلمت الدنيا في عينها وبكت حتى خافت على بصرها، وطوّقها الهم وعلاها الغم، فأبناءها صغار وليس عندها أحد، كانت لا تصرف مما ورثته من زوجها إلا القليل، حتى لا تحتاج إلى أحد، وذات مرة كانت في غرفتها في شدةِ يأس وانتظار لفرج الله عز وجل، ففتحت إذاعة القرآن الكريم وسمعت شيخًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لزِم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، تقول هذه المرأة: فبدأتُ أُكثر من الاستغفار وآمر به أبنائي، وما مرَّ بهم ستة أشهر حتى جاء تخطيط لمشروع على أملاكٍ لهم قديمة، فعُوِّضت هذه المرأة عن أملاكهم بملايين، ووفَّق الله أحد أبنائها فصار الأول على أبناء منطقته، وحفظ القرآن الكريم كاملاً، وصار الولد محل عناية الناس واهتمامهم ورعايتهم لما حفظ القرآن، وتقول هذه الأم: وملأ الله عز وجل بيتنا خيرًا، وصرنا في عيشةٍ هنيئة، وأصلح الله كل ذريتها، وأذهبَ الله عنها الهم والغم، وصدق الله عز وجل إذ يقول: (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إنَّ الله بَالِغُ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا).
القصة الثانية عشرة: وهذا رجلٌ صالح عابد أُصيبت زوجته بمرض السرطان ولها منه ثلاثة من الأبناء، فضاقت عليهم الأرض بما رَحُبَتْ، وأظلمت عليهما الأرض، فأرشدهما أحد العلماء إلى: قيام الليل، والدعاء في الأسحار مع كثرة الاستغفار، والقراءة في ماء زمزم، واستخدام العسل، فاستمرا على هذه الحالة وقتًا طويلاً، وفتح الله عز وجل على هذا الرجل وزوجته بالدعاء والتضرع والابتهال إليه جل وعلا، وكانا يجلسان من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن صلاة المغرب إلى صلاة العشاء على الذكر والدعاء والاستغفار، فكشف الله عز وجل ما بها وعافاها، وأبدلها   جلدًا حسنًا وشعرًا جميلاً، قال الله سبحانه وتعالى: (أمَّن يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ويكشِفُ السوء ويجعلُكُم خُلفاءَ الأرض أإله مع الله قليلاً ما تَذَّكَرون).
القصة الثالثة عشرة: ذكر أحد العلماء عن امرأة في روسيا، امرأةٌ غريبة في تعليم الدين، والصبر على التعليم، قد صنعت هذه المرأة ما لم يصنعه الرجال، ظلَّت هذه المرأة خمس عشرة سنة تعمل سِرًا، أيام الحكم الشيوعي، وتنتقل من بيت إلى بيت وتُعلِّم النساء القرآن وتُخرِّج معلمات العلم الشرعي، ولم تغفل أيضًا عن أسرتها ولا عن أولادها، فأولادها من كبار العلماء في روسيا، وأزواج   بناتها الأربع كلهم أيضًا كذلك، وأحد أزواج بناتها هو مُفتي البلدة التي تُقيم فيها هذه المرأة.
القصة الرابعة عشرة: طالبة أمريكية متمسكة بالحجاب مُعتزةً بدينها، أسلم بسببها 3 من الأساتذة في الجامعة، وأربعة من الطلبة، لمّا أسلم أحد الأساتذة بدأ يذكر قصته ويقول: قبل أربع سنوات ثارت عندنا زوبعة كبيرة في الجامعة حيث التحقت بالجامعة طالبة مسلمة أمريكية، وكانت متحجبة وكان أحد الأساتذة من معلميها متعصبًا لدينه، يُبغض الإسلام، كان يكره كل من لا يُهاجم الإسلام، فكيف بمن يعتنق الإسلام؟ وكان يبحث عن أي فرصة لاستثارة هذه الطالبة الضعيفة، لكنها قوية بإيمانها، فكان ينال من الإسلام أمام الطلاب والطالبات، وكانت تُقابل شدته بالهدوء والصبر والاحتساب، فازداد غيضه وحَنَقُه، فبحث عن طريقة أخرى ماكرة، فبدأ يترصد لها في الدرجات في مادته ويُلقي عليها المهام الصعبة في البحوث، ويُشدد عليها بالنتائج، ولما لم تستطع التحمل وانتظرت كثيرًا وتحملت تحملاً عظيمًا، قَدَّمت شكوى لمدير الجامعة للنظر في وضعها، فأجابت الجامعة طلبها وقررت أن يُعقد لقاء بين الطرفين، مع حضور جمع من الأساتذة لسماع وجهة نظر الطالبة مع معلمها، بحضور بعض الأساتذة والطلاب، يقول هذا الكاتب الذي أسلم وهو أحد الأساتذة، حضر أكثر أعضاء هيئة التدريس، يقول هذا الدكتور: وكنا متحمسين لحضور هذه الجولة والمناظرة والحوار، التي تُعتبر الأولى من نوعها في الجامعة، فبدأت الطالبة تذكر أن الأستاذ يبغض الإسلام ولأجل هذا فهو يظلمها ولا يعطيها حقوقها ثم ذكرت بعض الأمثلة، فكان بعض الطلبة قد حضروا وشهدوا لها بالصدق ولمعلمها بالكذب، وهم غير مسلمين، فلم يجد الأستاذ الحاقد على الإسلام جوابًا، فبدأ يَسب الإسلام ويتهجم عليه فقامت هذه الطالبة تدافع عن دينها وتظهر محاسن الإسلام، يقول هذا الدكتور: وكان لها أسلوب عجيب لجذبنا، حتى أننا كنا نقاطعها ونسألها عن أمور تفصيلية في الإسلام فتجيب بسرعة بلا تردد، فلمّا رأى الأستاذ الحاقد ذلك منهم خرج من القاعة واستمرت هذه الطالبة مع بعض الأساتذة والطلاب، وأعطتهم ورقتين كتبت عليهما عنوانًا ماذا يعني لي الإسلام؟ فذكرت هذه الطالبة الدوافع التي دعتها للإسلام، ثم بيَّنت أهمية الحجاب وعظمة الحياء والحشمة للمرأة، وأنه سبب الزوبعة من هذا الأستاذ، ولم تكتفي بهذا، بل قالت: أنا مستعدة أن أطالب بحقي كله حتى لو تأخرت عن   الدراسة، يقول هذا الكاتب: لقد أُعجبنا بموقفها وثباتها ولم نتوقع أنَّ الطالبة بهذا الثبات والتحمل، وتأثرنا بصمودها أمام الطلاب والمعلمين، فصارت   المحجبة هي قضية الجامعة أيامها يقول فبدأ الحوار يدور في عقلي وفي قلبي، حتى دخلت في الإسلام بعد عدة أشهر، ثم تبعني دكتور ثانٍ، وثالثٍ في العام نفسه، ثم أصبحنا جميعًا نعلم الإسلام، إنها امرأة قليلة المثيل في هذا الزمان.
القصة الخامسة عشرة: كتبت إحدى مديرات مدارس التحفيظ تقول: تقدمت امرأة للتسجيل في مدرسة من مدارس التحفيظ، فلم تُقبل هذه المرأة لاكتفاء العدد، ولأنها تقدمت متأخرة إلى مكتب المديرة، تقول جاءت هذه المرأة وهي تبكي بحرقة وتقول: أرجوكم لا تردوني، فإني والله مسرفة على نفسي في المعاصي، وكلما عزمت على التوبة والرجوع إلى الله عز وجل أضعف وأعود إلى ما كنت عليه، تقول هذه المديرة: فلما سمعت ما قالت ولمست صدق حديثها ورأيت بكاءها قبلتها، ودخلت في ذلك العام في دورة الحفظ والتجويد، أو في دورة الحفظ في سنة، والتجويد في السنة التي بعدها، تقول وبفضل الله عز وجل، قد ختمت كتاب الله تبارك وتعالى، وهي من المعلمات القديرات، بل من خيرة الأخوات الصالحات، ولا أزكيها على الله عز وجل.
القصة السادسة عشرة: امرأة قاربت السبعين من عمرها، تحفظ القرآن في نفس هذه المدرسة، تحضر لحفظ القرآن في الصباح والمساء، تقول هذه الكاتبة: هذه امرأةٌ عجيبة، وصلت إلى السبعين، امرأة نذرت نفسها لله عز وجل وللأعمال الخيرية التي تقربها إلى الله جل وعلا، فهي لا تفتر ولا تكسل ولا تستكين، طوال العام تعمل في الصيف والشتاء، ولا تُرى إلا في طاع الله، تعيش هذه المرأة في منزل كبير لوحدها مع عاملة لها، ورَّبَتْ هذه العاملة على العمل الخيري والاحتساب، ولها عدة أعمال منها: أنها تشارك في كثير من البرامج بل تقول هذه الكاتبة: في كل برنامج أو مشروع، ما يُقام شيء إلا ويكون لها سهم كبير، وقد رزقها الله عز وجل، أبناء بارين بها، ويعينونها بالمال وبما تريد، تقول فوالله إن هذه المرأة مصدر مهم بعد الله عز وجل، بإمدادنا بالهمة العالية والعزيمة الصادقة، وهي نموذج حي يندر وجوده في هذا الزمان.
القصة السابعة عشرة: جاء رجلٌ كان مسرفًا على نفسه بالمعاصي، وكان يشرب الخمر، ويسهر مع رفقاء السوء على الخمر والغناء، وكان يترك الصلاة أو يصلي أحيانًا حياءً أو خَجَلاً أو مُجاملةً، وذات مرة زار إحدى قريباته، فحمل طفلاً من أولادها، فبال هذا الطفل على هذا الرجل، يقول هذا الرجل بعد ما تاب، فقلت لأمه خُذي هذا الطفل فقد بال على ملابسي، فقالت: الحمد لله أنه لم يبل على ملابس فلان، وكان قد حضر معه أحد أقاربها من محارمها فاستغرب هذا الرجل، وقال ما السبب؟ قالت: أنت لا تصلي، مثل هذا الرجل، والبول على الثياب لا يضرك، بهذه الكلمات القليلة، يقول: فرجعت إلى المنزل وتبتُ إلى الله عز وجل، واغتسلتُ وتركتُ الخمر وهجرتُ رفقاء السوء، ولزمتُ الصلاة، وفرحت بي زوجتي المتدينة التي تحثني دائمًا على ترك الخمر، يقول الكاتب: لما أخذ منه بعض هذه القصة، لقد رأيتُ الرجل قبل موته يترك أي عمل إذا سمع المُؤذن، وإذا كان في السيارة يقف عند أقرب مسجد إذا   سمع الأذان، فرحمةُ الله عليه وعفا عنا وعنه.
القصة الثامنة عشرة: امرأةٌ حفظها حجابها، سافر زوجها وتركها مع أولادها وأوصى أخاه الكبير بأن يأتي إلى زوجته، وأن يقوم بأعمال البيت، ويُتابع الأولاد، تقول هذه المرأة:   كان يأتي هذا الأخ الكبير كل يوم تقريبًا، وكان لطيفًا في أول أيامه، لكن لما أكثر التردد علينا وليس عندي محرم ولم أتحجب بدأت تظهر منه تصرفات غريبة حتى قدم زوجي، وكنتُ أريد أن أُفاتح زوجي في الموضوع، لكن خفت من المشاكل، ثم سافر زوجي مرةً أخرى ورجع أخوه إلى حالته الأولى، من الحركات الغريبة، والكلام العاطفي، وبدأ يعاكس زوجة أخيه، وبدأ يحضر في كل وقت، لسببٍ أو بدون سبب، تقول هذه المرأة: لقد تعبتُ من تصرفاته، فكرتُ في الكتابة إلى زوجي لكن تراجعت حتى لا أضايقه لأنه في بلد آخر، يبحث عن المعيشة، وحتى لا تحصل المشاكل، وقلت لا بد من نصيحة هذا   الرجل الغادر، ونصحته لكن لم ينفع فيه النصح، وتقول: كنتُ أدعو الله عز وجل كثيرًا أن يحفظني منه، تقول فطرأت عليَّ فكرة، ففكرتُ في لبس الحجاب، وتغطية وجهي، وكتبتُ لزوجي بأني سأترك ُصافحة الرجال الأجانب، فشجعني زوجي، وأرسل لي كتبًا، وتقول هذه المرأة بعدما لبست الحجاب: وعندما جاء شقيق زوجي كعادته ورآي وقف بعيدًا، وقال: ماذا حصل؟ قلتُ لن أصافح الرجال، إلاّ محارمي، فوقف قليلاً ثم نكَّس رأسه فقلت له: إذا أردت شيئًا فكلمني من وراء حجاب فانصرف، فكفَّ الله عز وجل شره عنها.
القصة التاسعة عشرة: أما ما جاء عن أم صالح، امرأةٌ بلغت الثمانين من عمرها تتفرغ لحفظ   الأحاديث، إنها نموذج فريد من أعاجيب النساء، هذه المرأة إنها بدأت بحفظ القرآن في السبعين من عمرها، امرأة صابرة، عالية الهمة، قالت هذه الحافظة الصابرة: كانت أمنيتي أن   أحفظ القرآن الكريم من صغري، وكان أبي يدعو لي دائمًا بأن أحفظ القرآن كإخوتي الكبار، فحفظتُ 3 أجزاء، ثم تزوجتُ وأنا في الثالثة عشر من عمري، وانشغلتُ بالزوج والأولاد، ثم توفي زوجي ولي سبعةٌ من الأولاد كانوا صغارًا، تقول: فانشغلتُ بهم، بتربيتهم وتعليمهم والقيام بشؤونهم، وحين ربّتهم وتقدمت بهم الأعمار، وتزوج أكثرهم، تفرغت هذه المرأة لنفسها،   وأول ما سعت إليه أنها بدأت بحفظ القرآن، وكانت تعينها ابنتها في الثانوية، وكانت المعلمات يُشجعنَ البنت على حفظ القرآن، فبدأت مع أمها كل يوم تحفظ عشرة آيات، أما طريقة الحفظ: كانت ابنتها تقرأ لها كل يوم بعد العصر عشر آيات، ثم ترددها الأم ثلاث مرات، ثم تشرح لها البنت بعض المعاني، ثم تردد هذه الأم الآيات العشر ثلاث مرات أخرى، ثم تشرح ثم تعيد ثلاث، وفي صباح اليوم الثاني تعيدها البنت لأمها قبل أن تذهب إلى المدرسة، وكانت هذه المرأة الكبيرة في السن تستمع لقراءة الحُصَري كثيرًا وتكرر الآيات أغلب الوقت حتى تحفظ، فإن حفظت أكملت، وإن لم تحفظ فإنها تُعاقب نفسها وتُعيد حفظ الأمس، تُعيده في اليوم مع ابنتها، وبعد أربع سنوات ونصف حفظت هذه الأم اثنا عشر   جزءًا، ثم تزوجت البنت، ولما علم الزوج بشأن زوجته مع أمها وطريقة الحفظ، استأجر بيتًا بالقرب من منزل الأم، وكان يشجعُالبنت وأمها، وكان يحضر معهن أحيانًا ويُفر لهن الآيات، ويستمع لحفظهن، واستمرت هذه البنت مع أمها ثلاثة أعوام أيضًا ثم انشغلت بأولادها هذه البنت، ثم بحثت البنت عن مدرسة تكمل المشوار مع أمها، فأتت لها بمدرسة، فأتمت حفظ القرآن الكريم، هذه المرأة الكبيرة أتمت حفظ القرآن وما زالت ابنتها إلى إجراء الحوار مع أمها تواصل الحفظ حتى تلحق بالأم الكبيرة في السن، وقد حفظت القرآن بعد أكثر من عشر سنوات، أما   النساء حولها فتأثرنَ بها، فبناتها وزوجات أبنائها تحمسنَ كثيرًا وكُنَّ دائمًا يضربنَ المثل بهذه الأم العجيبة، وبدأنَ بحلقة أسبوعية في منزل الأم للحفظ، فصارت هي العالمة بينهن، أو الحافظة بينهن، وقد أثرت هذه المرأة بحفيداتها، فكانت تشجعهنَّ بالالتحاق بحلقات التحفيظ، وتُقدم لهُنَّ الهدايا المتنوعة، أما جاراتها فأول الأمر كُنَّ يُحبِطنَ عزيمتها ويرددنَ إصرارها على الحفظ لضعف حفظها، ولما رأينَ استمرارها وصبرها، بدأنَ يُشجِعْنها، تقول هذه الأم المربية العجيبة التي حفظت القرآن بعد الثمانين: حينما عَلِمَتْ هؤلاء النسوة أني حفظتُ القرآن رأيتُ دموع الفرح منهن، وهذه المرأة تستمع كثيرًا إلى إذاعة القرآن الكريم، وتقرأ في صلاتها السور الطويلة، بدأت بالحفظ وعمرها تجاوز السبعين، ثمَّ لم تكتفي هذه المرأة بحفظ القرآن فقط  بل انتقلت إلى حفظ الأحاديث النبوية، فهي   تحفظ تسعين حديثًا، وتحفظ مع إحدى بناتها، وتعتمد على   الأشرطة، وتُسِّمعْ لها ابنتها كل أسبوع ثلاثة أحاديث، استمرت هذه   المرأة أكثر من عشر سنوات في الحفظ، تقول: أحسستُ بارتياحٍ عجيب بعد حفظ القرآن، وغابت عني الهموم والأفكار، وملأتُ وقت فراغي بطاعة ربي، اقترحت عليها بعض النسوة أن تدخل في دور تحفيظ القرآن، فأجابت هذه المرأة وردّت فقالت: إني امرأة تعودتُ على الجلوس في البيت ولا أتحمل الخروج، وتدعو كثيرًا لابنتها وتشكرها بأنها بذلت معها الكثير الكثير، تقول: وهذا من أعظم البر والحسان، خاصةً أن البنت كانت في مرحلة المراهقة، التي يشكو منها الكثير، فكانت البنت تضغط على نفسها وعلى دراستها لتُفرِّغَ نفسها   لتعليم أمها بصبرٍ وحكمة، ثم ختمت هذه المرأة الصالحة   وقالت: لا يأس مع العزيمة الصادة، ولا يأس مع قوة الإرادة والعزم والدعاء، ثم البداية في حفظ القرآن، ثم قالت: والله ما رُزِقت الأم بِنعمة أحب إليها من ولدٍ صالحٍ يُعينها على التقرب إلى الله عز وجل، وصدق الشاعِرُ حين قال:
بَصُرْتُ بِالرَّاحَةِ الكُبْرى فَلَمْ أُرَها *** تُنَالُ إلا على جِسْرٍ مِنَ التَعَبِ
القصة العشرون: تُوفيت إحدى المعلمات مَعَ زوجها في حادث، وكتبت عنها بعض الطالباتْ، بعض المقالات في إحدى الصحف، فمن ذلك قالت إحداهن: رحمك الله أستاذتي، جعلتِ جلَّ اهتمامكِ العلم الشرعي، وجعلتِ نصب عينيكِ إيقاظُ القلوب الغافلة، فأنتِ المنار الذي أضاء لنا الطريق، لن ينسَاكِ   مُصَلَّى المدرسة، لكن سيفقد صوتكِ العذب وكلامكِ الرصين، والقصص الهادفة التي تأتين بها، ولن أنسى جموع الكلمات التي تصدر منها، ولن أنسى المُعلمات ولا   الطالبات اللاتي يُسرعنَ لحضور درسكِ في وقت الاستراحة، فستبقى كلماتكِ ونصائحكِ محفوظةً في جعبتي لن أنساها ما   حييت، لا تُنكِروا أثر الكَلام فإنهُ أثر عجيبٌ في النفوسِ مجربُ ومهْما كتبتُ أو دوّنتُ فلن َصل إلى نصف ما بذلتيه لنا، وقالت طالبةٌ أخرى عن هذه المعلمة: ما زالت كلماتها في قلبي إلى الآن، لما قالت لي ناصحةً لي: إنَّ للإيمانِ طعم حلو لن يتذوقهُ إلا من أطاع الله عز وجل، ما زالتِ القصص التي قلتِها في قلبي ووجداني، لقد رأيتُها في المنام قبل وفاتها، سمعتُ صوتًا حول هذه المعلمة يقول: هذه المرأة على طريقِ العلماء، تقول هذه الطالبة: فلما أخبرتها تبسمت، رحمها الله على ما بذلته من أعمال الخير.
القصة الالحادية والعشرون: امرأة تتمنى أنها إذا دخلت الجنة ، أن تجلس تحت شجرةٍ، وتصلي وتعبد الله عز وجل، لحبها للصلاة وتعلقها بها.
أَشْرِقِي يا مَعْدَنَ الطُهْرِ الثَمِينْ دُرَّةً بالحَقِّ غَرَّاءَ الجَبِينْ
شُعْلَةً تُوقِظُ في أَرْواحِنَا خَامِدَ العَزْمِ وأَنْوارَ اليَقِينْ
يا ابْنةَ الإِسْلامِ يا نَسْلَ الهُلى سََطَّروا الأَمْجَاد بِالفَتْحِ المُبِينْ
فَتَّحُوا الأَقَفَالَ في وجْهِ الضُحى أَسْعَدُوا الإِنْسَانَ في دُنْيا ودِينْ
فَجَّروا تِلْكَ الينَابِيع التي تَسْتَقِي مِنْهَا قُلُوبُ المُؤمِنِين
أَبْشِرِي يا أُخْتُ بالفَجْرِ الذي سَوفَ يأْتِي في عُيونِ القاَدِمين
مُحْصَناَتٍ في خدُوُرٍ زُودَتْ بِالتُقَى والخلُقِ البَرِّ الثَمِينْ
امْلَئِي الأَرْضَ سَلامًَا وسَلام وازْرَعِي الدُنْيا ورُودَ اليَاسَمِينْ
أَنْتِي يا أُخْتَاه إِشْراقَ المُنَى فَاصْعَدِي العَلياءَ بِالدِينِ الحَصِينْ
كُلُّ مَا نَرجُوهُ يا ذَاتَ الضِياء أَنْ تَكُونِي شَرَفًَا في العَالَمِين

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

Scroll to Top