ثقافة الابتكار والإبداع في المنظمات.

أ.أحمد السيد كردي.

 

من ثقافة الابتكار والإبداع في المنظمات:

– الابتكار الإداري.

– المنظمات المبتكرة.

– دوافع الإبتكار والإبداع في بيئة الإدارة.

– معوقات الابتكار.

– الطريق إلى المنظمة الابتكارية.

 

أولا: الابتكار الإداري.

هو الإتيان بالجديد الإداري، ولأن الإدارة نشاط واعٍ هادف فإن هذا الجديد يوجه نحو تحقيق: الاستجابة الأفضل لمنتجات الشركة وخدماتها لحاجات زبائنها كما في الزبونية، و زيادة الأداء بشكل جذري أو تدريجي كما في مفاهيم إعادة الهندسة والتحسين المستمر، وتحسين طرق العمل (كما في دراسة العمل والحركة)، وتحسين علاقات العمل في الشركة (كما في مفاهيم العمل الجماعي والفرق المُدارة ذاتياً)، وتحسين علاقات الشركة مع بيئتها الخارجية (كما في مفاهيم المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات الإدارة)، ومراعاة أفضل لمطالب مصالح أصحاب المصلحة والصالح العام… إلخ.

 

وفي هذا السياق فإن الابتكار الإداري هو التوصل إلى المفاهيم الجديدة القابلة للتحويل إلى سياسات وتنظيمات وطرق جديدة، تساهم في تطوير الأداء في الشركة. بل إن بعض هذه المفاهيم يتعلق بتطوير عملية الابتكار وتنظيمه، وإجراءات نقل أفكاره الجديدة إلى منتجات جديدة، ومن ثم الإسراع في إنشائه للأسواق الجديدة.

 

فالهدف النهائي لهذا الابتكار يتمثل في تحسين استخدام  الموارد وتحقيق النتائج الأفضل مقارنة بالفترة الماضية، أو مقارنة بأفضل المنافسين. وهذا ما يمكن أن نجمله بالتأكيد على أن الابتكار الإداري هو في هدفه الأخير ونتاجه الحقيقي الأكثر أهمية يتمثل في ابتكار الإنتاجية أي: الابتكار الإداري= ابتكار الإنتاجية

 

ثانيا: المنظمات المبتكرة.

وتصنف المنظمات حسب ثقافة المنظمة إلى شركات ذات ثقافة غير ابتكارية (Uninnovative وشركات ذات ثقافة ابتكارية (Innovation-Based). وتعد المنظمات المحافظة التي عادة ما تعمل في بيئات أعمال مستقرة، ويتم فيها تعزيز الأبعاد الصلبة لثقافة المنظمة المتمثلة في الهيكل التنظيمي، والخصائص الرسمية والهرمية والوظيفية المتخصصة، والإجراءات والقواعد المحددة التي يكون من غير المسموح تجاوزها أو العمل خارجها، وتُعد شركات معززة للحالة القائمة ومعيقة للابتكار. أما في المنظمات القائمة على الابتكار والتي تعمل في بيئات أعمال متغيرة؛ فإن العناصر الصلبة تضعف وتتقلص ليتم التعويل بدرجة أكبر على العناصر الناعمة المكونة للثقافة المتمثلة بقيم المبادرة، وأساليب العمل القائمة على الفريق، والاستجابة السريعة للتغيرات في البيئة والتفكير والنظر خارج الصندوق (المنظمة وثقافتها الحالية)، مما يجعلها أكثر تقبلا للأفكار والمفاهيم وطرق العمل الجديدة، التي يأتي بها الابتكار والمبتكرون في المنظمة.

 

إن ثقافة المنظمات الابتكارية تتسم بالميل إلى تأكيد روح المبادرة وأسبقية الأفراد على القواعد والإجراءات المحددة، مع رؤية مفتوحة لتقبل أية فكرة جديدة بأقل قدر من الاعتراضات التي تحبط الابتكار ومبادراته. ولكي تستطيع المنظمات تحقيق ذلك لابد من تقليص قواعد العمل الجاهزة وأدلة العمل، والأمثلة كثيرة على المنظمات ذات الثقافة الابتكارية.

 

وإذا كانت المنظمات تختلف عن بعضها بعضا في القدرة المالية والتكنولوجية والبشرية والابتكارية، فإنها أيضا تختلف في ثقافة المنظمة وموقفها من الابتكار. ويمكن في هذا السياق أن نرسم طيفاً واسعاً لثقافة المنظمة كسلسلة متواصلة للمواقف المختلفة من الابتكار تمتد بين نهايتين قصوتين: النهاية القصوى الأولى: وتمثل ثقافة المنظمة المحافظة المتطرفة، وهذه يمكن أن يمثلها محطمو الابتكار (Luddite Innovation) بكل ما يعنيه ذلك من اتخاذ مواقف تصل إلى التحطيم والتخريب ضد الابتكار والمبتكرين. النهاية القصوى الثانية: وتتمثل في ثقافة الابتكار المستمر. وهذه يمكن أن تمثلها المنظمات القائمة على الابتكار بكل ما يعنيه ذلك من اعتبار الابتكار استثمارا وليس نفقة، وميزة تنافسية مستدامة وليس من العوامل المساعدة عليها، ومجالاً للتجديد والتوسع وليس مجالاً مهدداً لإمكانات المنظمة الحالية بالتقادم… إلخ. والشكل أدناه يوضح هذه السلسلة المتواصلة لثقافة المنظمة بالعلاقة مع الابتكار.

 

ثالثا: دوافع الإبتكار والإبداع في بيئة الإدارة.

كيف يصبح الإنسان مبدعاً وكيف يمكن للإداري أو القائد أن يكون مبدعاً في عمله؟.. وما هي الدوافع التي تشجع القائد على ابتكار الأفكار وتبني القيادة الإبداعية في عمله؟

توجد عدة دوافع تدعو الإداري إلى الإبداع في عمله, وقد تكون هذه الدوافع ذاتية أو دوافع بيئية أو دوافع مادية أو معنوية.

وليس من الضرورة أن يكون القائد وحده مبدعاً, بل يفترض فيه تجاوز ذلك ليكون حاضناً للإبداع في إدارته فيقتنص الموظفين المبدعين ويرعاهم وينمي ملكة الإبداع فيهم بما يمثلونه من ثروة للمؤسسة وفريق العمل الذي يشرف عليه (وفي هذا الصدد يجب على المنظمات أن تختار الأفراد العاملين فيها ممن يتوافر فيهم سمات الإبداع والابتكار, مثل اليقظة والفطنة والصدق والتأهب وسرعة التكيف مع الأوضاع.. ويجب على المنظمة أن تضطلع بدور فعال تجاه المجتمع من منطلق المسؤولية الاجتماعية بالمساهمة في خلق كوادر مبدعة), وهذه بعض دوافع الإبداع:-

1. الحماس في تحقيق الأهداف الشخصية.

2. الرغبة في معالجة الأشياء الغامضة والمعقدة.

3. الحصول على رضا النفس والذات.

4. الرغبة في تقديم مساهمة مبتكرة قيّمة.

5. الحصول على مكافآت مالية.

6. الحصول على الثناء والشهرة والسمعة الحسنة.

7. الحصول على مرتبة علمية مرموقة.

8. الحصول على وظيفة متميزة.

9. الرغبة في خدمة الأمة والوطن.

إن هذه الدوافع وغيرها أو بعضاً منها تدعو الإنسان إلى الاندفاع نحو ابتكار الأساليب الجديدة في التفكير وفي العمل, وفي حل المشكلات, ومن الأدوار المهمة للمنظمات الحكومية والخاصة البحث واكتشاف أي من هذه الدوافع الموجودة لدى العاملين فيها لاستنهاضها في نفوسهم وتشجيعهم على الإبداع الإداري بما يعود بالفائدة على العاملين أنفسهم وعلى هذه المؤسسات.

 

 

رابعا: معوقات الابتكار.

الابتكار ليس نشاطاً سهلاً، كما أنه لا يمكن أن يتم بمعزل عن الظروف التي يولد فيها، لهذا فإن الابتكار هو ابن بيئته الابتكارية بدرجة كبيرة، دون أن نستثني بعض الحالات التي يصنع فيها المبتكرون المتميزون ظروفهم رغم العقبات.

 

ولابد من الإشارة إلى أن فهم المعوّقات يساعد على تعزيز دور الإدارة في كل شركة لتبني مدخلاً فعالاً في مواجهة هذه المعوقات؛ للحد من تأثيراتها السلبية. فالمبتكرين يواجهون المعوّقات على مستويات عدة، أفراداً أو جماعة أو حتى شركات. ومع أن المعوّقات كثيرة ومتنوعة إلا أن أكثرها شيوعا هي:

 

أولاً: التمويل غير الملائم (Inadequate Funding): كل مشروع لابتكار جديد يتطلب تمويلاً مناسباً يتم الحصول عليه في الوقت المناسب، ويخصص بشكل ملائم على مراحل تطويره المتعددة. فتجربة الشركات الابتكارية الرائدة تشير إلى أن الابتكار المتميز يتطلب موارد إضافية تتجاوز التمويل الأولي المخصص للبرنامج. وعدم توفير هذا التمويل يحُدّ من فاعلية الابتكار.

 

ثانياً: تجنب المخاطرة (Risk Avoidance): أغلبنا لا يرغب في تحمل المخاطرة، ويسعى للمحافظة على الصحة والثروة وهدوء الأعصاب، ومع ذلك فإنه لا تقدُّم دون تحمل المخاطرة والقبول بذلك. والابتكار يحمل مخاطره المرتبطة بالفشل في كل مراحله. لهذا تزخر الشركات بالعبارات المألوفة التي تعبر عن الميل نحو تجنب المخاطرة مثل: “نحن لم نجرب ذلك من قبل”، “لقد فشل هذا عندما جربناه في السابق”.. الخ. لهذا فإن الشركات التي تجتهد في تحديد المخاطر إنما هي تقتل الابتكار لا تُنمّيه.

 

ثالثاً: الصوامع الوظيفية (Functional Silos): إن الشركات تُنشَأ لتحمي الحدود وتُحدد المسؤوليات، وتصنع القواعد الصارمة؛ ونتيجة لذلك تحرم الأقسام والأفراد من ميزة العمل المشترك. إن المبتكرين يميلون بطبيعتهم لتخطي الحدود، وإنشاء الوضعيات الجديدة، ولكن هؤلاء المبتكرين الذين يستفيدون من الشركة ككل، قد يواجهون عقبات جمة جرّاء الحدود والتخصص في الأقسام أو الصوامع الوظيفية مما يقتل الابتكار.

 

رابعاً: الالتزام بالوقت (Time Commitment): الوقت نادر، وهو الأكثر قيمة في الشركات، وعمل الإدارة يتمثل في تقييم تلك الدقائق من وقت العمل، وكيف يمكن أن تكون ذات مردود مناسب. وهذا ما لا يمكن عمله مع الابتكار إذ من الصعب إثبات أن الابتكار ذو مردود مناسب في أغلب مراحله قبل أن يصل المنتج الجديد إلى السوق.

 

خامساً: المقاييس غير السليمة (Incorrect Measures): تعمد الكثير من الشركات إلى استخدام مقاييس العوائد والأرباح والحصة السوقية لأنها الأسهل في التقييم من تلك اللاملموسات (Intangibles) مثل السمعة، والمعرفة، واجتذاب المواهب، والقيادة وغيرها من الأصول التي تساهم في صنع القيمة الحقيقية للشركة.

 

إن أغلب الابتكارات لا يمكن تفسيرها بمعيار العائد على الاستثمار (ROI)، حتى تلك الابتكارات الواعدة بإنشاء أسواق جديدة، إذا ما قورنت مع مشروعات ناجحة أخرى. لهذا فإن الحاجة ماسة لإنشاء مقاييس جديدة لتجنب عقبات المقاييس التقليدية مثل العائد على الاستثمار.

 

خامسا: الطريق إلى المنظمة الابتكارية.

فيما يأتي مقترحات يمكن أن تساعد المنظمة على التفكير بشكل خلاّق وبنّاء لتحديد كيفية القيام بالابتكار الدائم أو المستدام ليكون حقيقة في المنظمة:

 

– الدراسة والتقييم: الابتكار موضوع واسع، وهناك مصادر كثيرة يمكن الحصول منها على أفكار مضيئة، إذ يتوجب تقييم نتائج الابتكار في المنظمة خلال السنوات الخمسة الأخيرة، والمقارنة بين المجالات التي تم القيام بها في المنظمة بشكل أفضل مع أكثر المنافسين للمنظمة قدرة في الابتكار وذلك لنفس الفترة.

 

– المراجعة التفصيلية من أجل الابتكار: من خلال القيام بالمراجعة التفصيلية لطريقة الابتكار وقبول الأفكار الجديدة في المنظمة، ولتحقيق ذلك يتوجب إنشاء فريق من العاملين يطلب منهم أفكاراً من أجل القيام بالتحسينات، مع العلم أن هناك أنواعاً مختلفة من الابتكار (مثل الاختراق والتحسين)، ثم إستخلاص النتائج حول عملية الابتكار الحالية في المنظمة.

 

– البداية بطرح الأسئلة: يجب التحدّث مع العاملين كل يوم، والتعلم من وجهات نظرهم ما يمكن العمل به حيال المنتجات أو الخدمات التي لا تعمل جيداً في السوق.

 

– التحليل والتغيير: بتحليل بيئة أعمال المنظمة والتحليل الاستراتيجي (SWOT) الداخلي (نقاط القوة والضعف) والخارجي (الفرص والتهديدات). والتأكد من وضع أهداف الأداء للمنظمة،  وتحديد معدل التغيير في مجال العمل، في الشركات الجديدة والقديمة، وفي ضوء ذلك يحدّد العوامل التي تجعل الشركات القائدة تدخل مرحلة التدهور، ثم تقيم المنظمة بالعوامل نفسها.

 

– عملية الحصول على الأفكار باستخدام الأدوات المتعددة لذلك مثل: البحث عن الأفكار الجديدة خارج المنظمة، في البيئة المحيطة والجامعات، ومن العلاقات مع الزبون، والتحدث معهم وغيرها مما يمثل مصدراً للابتكار. والسماح للعاملين ليعُدّوا أفكاراً جديدة يجدونها مثيرة للاهتمام. وإنشاء علاقات مع الجامعات المحلية من خلال تقديم التمويل لمشروعات الأساتذة والطلبة في المجالات الاجتماعية والفنية.

 

– مجلس استشاري للابتكار: إنشاء لجنة أو مجلس استشاري للابتكار ودعوة خمسة أفراد من خارج المنظمة من ذوي الخبرة في مجال المنظمة لتقديم نظرة خارجية عن المنظمة ومبادراتها الابتكارية.

 

– تجديد نموذج الأعمال: تقييم نموذج الأعمال الحالي، وتحدّد كل العناصر في الأعمال التي تمثل العناصر الأكثر أهمية في خبرة العملاء، ولهذا الغرض – ومن أجل تسريع التعلم – يرسل عدداً من الفريق المسؤول عن تقديم الأفكار الجديدة إلى مدن أو دول أخرى ليأتوا بخمسة وعشرون فكرة جديدة وخمس مبادرات محددة، نظم ورش عمل لابتكار نموذج الأعمال، ودعوة عددا من العاملين من كل أقسام المنظمة للقيام بعصف ذهني حول نموذج الأعمال الجديد.

 

– استراتيجية الابتكار: تقييم دور الابتكار في استراتيجية المنظمة خلال السنوات الخمسة الماضية وما هو مطلوب للسنوات الخمس القادمة. والإستفادة في ذلك من البحوث والدراسات التي تساعد في تصنيف الزبائن إلى شرائح سوقية حسب الاتجاهات، والقيم، والحوافز.

 

–  تخطيط المشهد المستقبلي: تخطيط التوقعات المستقبلي (Scenario Planning) وما هي الأشياء غير المتوقعة، وهذا يمكن من التوقع حول المستقبل القادم.

 

– التركيز على الابتكار: تركيز الإجتماع الاستراتيجي القادم على الابتكار وسؤال كل واحد أن يقترح ثلاث أفكار جديدة لم تناقش من قبل.

 

– إعداد دراسات سريعة: عن الاتجاهات الاجتماعية المؤثرة الأكثر أهمية، وأخرى عن الاتجاهات التكنولوجية الأكثر أهمية في المنظمة والصناعة في السنوات الخمسة القادمة، وكيف تعد المنظمة نفسها وتخطط لمواجهة هذه التحديات.

 

– تقييم قيادة الابتكار في الإدارة العليا: وفي ضوء هذا التقييم يحدد ثلاث نقاط ضعف في المنظمة ومن ثم خطط لتجاوزها. مع إيجاد جوائز الابتكار لتمييز النجاحات والإخفاقات على حدٍ سواء بما يحقق الطابع المؤسسي للابتكار.

 

– دراسة قدرة المنظمة الحالية على تعجيل عملية التوصل إلى النموذج الأولي (Prototype) من الأفكار الجديدة.

 

– قياس عوائد الابتكار: العمل على تقييم عوائد الابتكار وأرباحه من المنتجات والخدمات الجديدة كل سنة للفترة الماضية، مع مقارنة هذه النتائج مع نتائج المنافسين.

 

– التفرغ من أجل الابتكار: إعطاء العاملين من خارج إدارة البحث والتطوير (R&D) ثلاثة أشهر ليعملوا على الأفكار الجديدة.

 

– الثقة: القيام بمسح لتقييم الثقة بالإدارة (دون ذكر أسماء )؟ وهل يثقون ببعضهم البعض؟ ماذا يمكن عمله لتحسين الثقة في المنظمة؟ وفي هذا السياق تؤسس جماعات الممارسة من الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة بغض النظر عن أماكن عملهم أو تواجدهم عبر البلاد والعالم، ويطلب من كل مشارك فيها أن يُعِد خطة تتعلق بكيفية المحافظة على قدرات المنظمة عند مستويات عالية.

 

– دراسة المخاطر: دراسة وتقييم مخاطر 10 ابتكارات طورتها المنظمة خلال الفترة الأخيرة، وتحديددرجة المخاطرة المترافقة مع كل منها.

 

– التوصيف الجديد للتوظيف من نمط الحرف (T): الذي يستهدف اجتذاب العاملين الجدد الذين يتمتعون بمدى واسع من الخبرة في ميادين متداخلة عديدة مع التعمق في مجال واحد على الأقل. والعمل على إيجاد مركز التشارك للعمل المشترك بين الاختصاصات والخبرات المختلفة، ليعملوا معاً لحلّ المشكلات المعقدة.

Scroll to Top