أساليب تربوية لاستقلالية شخصية الأبناء.

أساليب تربوية لاستقلال شخصية الأبناء: 
د. جاسم المطوع.

كثير من الأسئلة تردني في مواَقع التواصل حول استقلال شخصية الأبناء وإعطائهم حرية التصرف، متى يكون ذلك؟ ومن أي عمر؟ وهل كثرة متابعة الأبناء ومراقبتهم تذيب شخصيتهم وتطمسها؟ وكيف نصل إلى مستوى استقلال الأبناء مع وجود رابط من الاحترام والتقدير والطاعة للوالدين؟
قد تكون الإجابة عن هذه الأسئلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، ونجيب عنها بخمس وسائل تعين المربين على تحقيقها:
أولاً- احترام قراراتهم:
وهذا هو أهم سلوك نمارسه معهم؛ فنحترم قراراتهم ولا نلغيها، وفي حالة رفض أمر في صالحهم كشرب الدواء مثلاً فإننا نناقشهم في هذا القرار، ونقول لهم لا تشربوه الآن ولكن خلال ساعة اشربوا الدواء، أو كان الطفل يلعب بسيارة صوتها مزعج فنقول له العب بها في غرفتك حتى لا تزعجنا، أما لو كان الابن كبيرًا ففي هذه الحالة نناقشه في قراراته، ونبين له إيجابياتها وسلبياتها من غير أن نستخدم معه أسلوب “اسمع وأطع”؛ فإن هذا الأسلوب الدكتاتوري يدمر شخصيته ولا يبنيها.
ثانيًا- أعطه حرية الاختيار:
نترك لهم مساحة الاختيار في الملابس، والطعام، والأصدقاء، والألعاب، مع المناقشة والتوجيه لو كان الاختيار خطأً ويعود عليه بالضرر، مثل كثرة أكل الفلفل أو الوجبات السريعة، أما لو كان الاختيار فيه اختلاف الأذواق، وليس فيه ضرر كأن يلبس ملابس غير متناسقة الألوان فلا بأس أن نعطيه فرصة للتجربة، ونشجع تفرده، ونحترم ذوقه، وبدلاً من أن نملي عليه أوامرنا، ونتدخل في تفاصيل حياته فإننا نحاوره، ونبين له وجهة نظرنا، ونترك له حرية الاختيار.
ثالثًا- التشجيع على الإنجاز:
لو صنع الابن مثلاً سيارة من ورق أو ساعد أخاه ليصعد السلم، أو قرأ قصة وحده، أو عمل طبخة خفيفة، فعلينا أن نشجعه ونثني على إنجازه؛ حتى يزداد عطاءً وعملاً بأفكاره من غير أن يملي عليه أحد؛ فإن ذلك يدعم تفرد شخصيته، واستقلالها؛ فيكون لديه رأي، ويكون منجزًا ومعتمدًا على ذاته.
رابعًا- التشجيع على التعبير:
من أكثر الأخطاء التي نرتكبها عندما نذهب للطبيب ألا نعطي لأبنائنا فرصة التعبير عن مرضهم، ونتحدث نحن نيابة عنهم، وكذلك نفعل إذا ذهبنا للمدرسة.
أذكر أن أبًا أحضر ولده البالغ من العمر 16 سنة إلى مكتبي فتكلم الأب، فقلت له: من صاحب المشكلة؟ فرد عليّ: ولدي، فقلت له: ولماذا لا تعطيه الفرصة ليعبر عن مشكلته؟ فنظر إلي باستغراب، ثم نظرت للولد وقلت له: تفضل، فتحدث الابن بأسلوب أفضل من أبيه، وعرض المشكلة بطريقة أكثر دقة من والده.
فالتشجيع على التعبير أمام الضيوف والمختصين والأهل مهمّ جدًا لبناء شخصية مستقلة للأبناء.
خامسًا- التعامل المالي:
إذا أردنا أن نبني شخصية مستقلة للأبناء فمن المهم أن نعطيهم حرية التصرف المالي، فإذا دخلنا إلى السوق نعطي الابن مالاً وننظر كيف يتصرف به، وكذلك نعطيهم حرية شراء النواقص في غرفتهم، أو حاجاتهم، ونوجههم في حالة الإسراف، أما إن كانوا في سن المراهقة فنكلفهم أن يعملوا لنا برنامجًا سياحيًا لهذا الصيف -مثلاً- ونحدد لهم المبلغ الذي لا ينبغي أن يتجاوزوه.
إن هذه الأساليب الخمسة تدعم مفهوم “ليس الفتى من قال كان أبي..إن الفتى من قال ها أنا ذا” وهو مفهوم استقلالية الشخصية، واحترام الإنجاز الفردي، ومن يتأمل سيرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- مع الصغار يلاحظ هذا المعنى، فقد تربى أسامة بن زيد على يد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندما كبر وبلغ عمره 17 سنة كلفه بقيادة جيش فيه أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- فأي استقلال للشخصية هذا! وأي دعم للثقة في القدرات والمواهب ذلك!
وموقف آخر عندما استأذن النبي -في الشرب- ابن عباس وهو غلام صغير، وكان جالسًا عن يمينه من أجل أن يقدم عليه أبو بكر الصديق، وكان جالسًا عن يساره، فرفض ابن عباس؛ لأنه يريد أن يستأثر بالشرب بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الإناء، فاستجاب له رسول الله دعمًا لاستقلالية قراره، وشخصيته، ويكبر ابن عباس ويصير حبر الأمة وترجمان القرآن.
وموقف ثالث مع عبد الله بن عمر، فقد كان كثيرًا ما يجلس في مجالس الكبار في المدينة مع الرسول الكريم وعمره لا يتجاوز 11 سنة، فلما كبر صار علَمًا من أعلام المسلمين.. ومواقف كثيرة تدعم استقلالية الطفل، واعتماده على نفسه.
وختامًا نقول للوالدين: لا تنسوا الدعاء فهو سلاح تربوي مؤثر وفتاك.

Scroll to Top