الأمن النفسي للأبناء

يحيى البوليني .

إنه أحد أضلاع مثلث السعادة في الدنيا، فلا المال يعوضه، ولا زينة الدنيا كلها تعدله، إن فُقد في أسرة فسد حالها وأصبح أفرادها كورقة تعبث بها الرياح الهوجاء، وقد قال عنه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه الألباني (من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا).
إنه الأمن النفسي الذي يحتاجه كل أبناء الأسرة في حياتهم المتصلة مع بعضهم البعض؛ لتؤدي الأسرة المسلمة رسالتها في إخراج نشء صالح قوي يستطيع البناء والنهوض بأمته.
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أقسم بالله ثلاثًا على نفي الإيمان عن الجار الذي لا يأمنه جاره، فكما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه)، فكيف بمن لا يأمن من يعيش معه تحت سقف واحد وهو فضلاً عن ذلك من خاصة أسرته؟!!
فالأمن النفسي أساس النمو والبناء، فكما يحتاج الطفل للغذاء لينمو نموًا جسديًا يحتاج أيضًا القدر نفسه للأمن النفسي لينمو سلوكيًا وعاطفيًا.
وتظهر أعراض كثيرة على الأطفال لا يجد العلم لها تفسيرًا إلا تفسيرًا نفسيًا بعدم إحساس هؤلاء الأطفال بالأمن النفسي أو تعرضهم لمظاهر خوف لا يستطيعون دفعها أو حتى مجرد التعبير عنها.
ومن هذه الأعراض أعراض آلام جسمانية متعددة مثل تعدد شكاوى الأطفال المرضية التي ليس لها أصل طبي أو إصابتهم بالتبول اللاإارادي أو ظهور بعض العادات السيئة السلوكية مع النفس مثل مص الإصبع وقضم الأظافر أو مع الغير مثل العدوانية وسرعة الانفعال والعناد ورفض الذهاب للمدرسة، أو ربما تظهر تلك الأعراض في شكل نوبات متكاثرة من البكاء أو الفزع أو مشاهدتهم لأحلام مزعجة وكوابيس مفزعة.
كذلك يحتاجه الزوج بأن يأمن جانب زوجته، فيأمن أنها ستطيعه إن أمرها في -غير معصية الله- وستحرص على أن تبدو له في أجمل صورة حتى تسره إن نظر إليها، وستبر قسمه إن أقسم عليها وستحفظه في نفسها وماله إن غاب عنها.
كما تحتاجه الزوجة أيضًا بأن تأمن جانب زوجها؛ فلن يهدم بيتهما لسبب عارض تافه، وسيرعى حق الله فيها، إن أحبها فسيكرمها وإن كرهها فلن يظلمها، ولن يتهددها في كل لحظة بما يسيئها، وسيحفظ عهدها وستبقى العقدة على حالها.
ويحتاجه الابن طفلاً وشابًا بأن يشعر أن أبويه متحملان مسؤوليتهما، فمهما اختلفا فلن يهدما ذلك البيت -إلا إذا قدر الله فراقًا بينهما- ويطمئن أنه سيظل في عنايتهما ورعايتهما، وأنهما سيبذلان جهدهما لكي يظلا الدرع الأمين له -ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً- وأنهما سيبذلان كل جهدهما لمعاونته فلن يؤذياه ولن يسمحا لأحد بإيذائه وسيكونان شفيقين رفيقين به.
وكذلك يحتاج الجميع للأمن النفسي بأن يشعر كل منهم أن البيت ستر ووقاية لكل أفراده وسيكون عونًا لهم لاجتياز الصعاب التي تحيط بهم وتواجههم؛ فلا مجال لتعيير ولا لإيذاء بعد خطأ، ولا مجال لانتقاص أحد أو لتجبر أحد منهم على الباقين.
والأمن هو الدواء للأسرة حينما يقع أحد أفرادها في أزمة تحيط به فأين يجد مأوى له إن لم يفتح له بيته ذراعيه ويحتضنه ليقوم من كبوته أو لينهض من عثرته؟!
فقد يتعثر أحد أفرادها أو يسقط في خطأ أو ذنب نتيجة لضعفه البشري -فمَن من الناس لا يخطئ؟  فحينما يشعر بأن بيته وأهله يفتحون قلوبهم له تصحيحًا وإرشادًا ودعمًا وحماية ووقاية وحينما يشعر أن من في البيت ليسوا قضاة ولا سجانين، وأن بيته هو كهفه الذي يأوي إليه في شدته وأن جميع من فيه يرحبون وينتظرون عودته للصواب ويتمنون مخلصين منه أن يستعيد قواه، ويشعرونه بدفء علاقتهم به، حينها يستطيع الفرد المخطئ أن يعود من خطئه ويمتن لأسرته التي وقفت بجواره في محنته وأعادته إلى الصواب.
إن ما تحتاجه الأسر في الأمن النفسي كغذاء ودواء هو عين ما ذكره الحافظ بن كثير في تفسيره من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأعرابي حين أغلظ عليه القول فأحسن النبي في معاملته، فضرب للصحابة مثلاً لتصرفهم وتصرفه، فقال: (إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فقال لهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها، وأعلم بها، فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض، ودعاها حتى جاءت واستجابت، وشد عليها رحلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار).

المصدر: موقع المسلم.

Scroll to Top