ما تعوذ المتعوذون بمثلها.

ما تعوذ المتعوذون بمثلها :

بسـم الله الرحمـــــن الرحــــيم

 

فضل السورة :

1-    عن عقبة بن نافع –- قال قال رسول الله  { ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس}.. رواه مسلم رقم:114

2-    روى الإمام أحمد عن عقبة بن نافع – - قال { بينما أنا أقود برسول الله  في نقب من تلك النقاب إذ قال لي ياعقبة ألا تركب قال : فأشفقت أن تكون معصية قال : فنزل رسول الله  وركبت هنية  ثم ركب قال عقب ألا أعلمك سورتين قرأ بهما الناس قلت بلى يا رسول الله فأقرأني (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله   فقرأ بهما ثم مربي فقال كيف رأيت يا عقب أقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت } . رواه الإمام أحمد4144 ,والنسائي رقم:1253 ,وأبو داوود رقم 1426

وفي رواية أخرى ( أمرني رسول الله  أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة ) . رواه أبو داوود رقم 1523 , والترمذي 2903

3-        عن عروة عن عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله  كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما أشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات وأمسح بيده على رجاء بركتها} . رواه البخاري رقم 5013

 

وقفات حول السورة :-

الوقفة الأولى:- الإستعاذة..

عن عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله  أخذ بيدها فأشار بها إلى القمر فقال استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق }..

وروى الطبري عن مجاهد بلفظ غاسق إذا وقب : الليل إذا دخل وقال مجاهد : الفلق الصبح

والاستعاذة في اللغة أصلها (عوذ) عاذ يعوذ , وعياذ , ومعاذ ومعناه اللجوء والاعتصام واللوذ.

(( الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه , ولهذا يسمى المستعاذ به معاذاً كما يسمى ملجأ ووزراً )) .

فمعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي استجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ماامرت به , أو أرتكاب مانهيت عنه , فالعائد بغيره مستجيراً به .. معتمداً عليه , وهي استغاثة ولجوء واعتصام بالله من شر هذا العدو الباطني الذي لا يعصم من كيده إلا الله , ولا ينفع معه جميل ولا إحسان , بخلاف شيطان الإنس الذي تدفع إساءته بالإحسان إليه . أنظر تفسير ابن كثير(1/2,16/279)مجموع الفتاوى(7/283)..

وهذه المعاني الظاهرة يستلزم لتحقيقها أن يقوم بالقلب معناها أبلغ قيام , فكيف القلب منطرحا بين يدي ربه ، مفتقر إليه متذللاً له , هارباً إليه وحده , منقطعاً إليه , قد قامت به كل معاني المحبة والخشية والإجلال والمهابة .. فهنا تكون استعاذة اللسان متواطئة مع استعاذة القلب مكملة لها , فأنى لشيطان مهما تمرد أن يصل بعبد تحققت فيه هذه المعاني  …انظر المعوذتين لابن القيم ص 17_18

 

وللاستعاذة بالله تعالى ثلاثة أركان هي :

الأول : مستعيذ .

الثاني : مستعاذ به .

الثالث : مستعاذ منه .. انظر المرجع السابق صـ15_16

فأما الأول / المستعيذ والمقصود به العبد الذليل الفقير الذي لا حول له ولا قوة , ولا دفع لما حوله من الشرور إلا بإيمانه الله تعالى له وتوفيقه .

وأما الثاني / هو المستعاذ به , وهو الله جل جلاله الخالق القادر العظيم , فكل من استعاذ بغيره خذله ذلك المستعاذ , وتخلى عنه والمتأمل لهذه الاستعانة يلاحظ الله تعالى ذكر فيها أنه أضافها إلى ربوبيته فهو خالق المخلوقات , ومدبر شؤونهم وجالب مصالحهم , وله القدرة التامة عليهم وهو عليم بهم وبأحوالهم , وكاشف لكرباتهم .

وأما الثالث / وهو المستعاذ منه وهو عموم الشرور , وفي مقدمتها شر الشيطان وحزبه , وفي هذه سورة الفلق أبلغ بيان وأوجزه لما ينبغي أن يستعاذ منه ويشمل :

1_ شر الجن والشياطين فما من عبد إلا وقد وكل به قرين من الجن يزين له المعاصي والفواحش , ولا يألوه جهداً ولهذا كان رسول الله  _ يستعيذ بالله من تسلط الشياطين عليه من جميع الجهات كما في الحديث عن ابن عمر يقول : لم يكن رسول الله   يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح {اللهم إني أسألك العافيه في ديني ودنياي وأهلي ومالي , اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي , اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي } ..

رواه أبو داوود في كتاب الدب باب : مايقول إذا أصبح رقم:5074(2/739_740)وابن ماجه في السنن كتاب الدعاء باب ( مايدعوا به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى ) رقم : 3871(2/1273) والحاكم في المستدرك رقم : 1902(1/698) وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان في صحيحه رقم : 961(3/241) ..

وكان يستعيذ بقوله : { اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه} ..

 

2_ ومن شر شياطين الإنس قال تعالى : ﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم ومايفترون ﴾ سورة الأنعام آية 112

وثبت في حديث أبي ذر _   _ قال : أتيت رسول الله  وهو في المسجد فجلس فقال : { يا أبا ذر هل صليت قلت : لا قال : قم فصل , قال : فقمت فصليت ثم جلست فقال : يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الأنس والجن , قال : فقلت يارسول الله وللأنس شياطين ؟ قال : نعم } .. رواه الإمام أحمد في المسند رقم : 21586(5/178)والنسائي في السنن باب : الاستعاذة من شر شياطين الأنس رقم : 5507

 

3_ من شر السحر والسحرة وقد جاءت الاستعاذة منه في قوله تعالى:﴿ومن شر النفاثات في العقد﴾ .. وهن السواحر .

وقد وردت لفظ ( النفاثات ) في سورة الفلق بصيغة التأنيث , قيل لكون الذين سحروا النبي  هن بنات لبيد بن العصم اليهودي , وهو ضعيف لأن الثابت أن الذي سحره هو لبيد وليس بناته , وقيل المراد بالنفاثات : أي الأرواح الخبيثة , فهي السبب في التأثير بالسحر , وسلطانه انما يكون من خلالها .. ورجح ذلك ابن القيم _ رحمه الله _ وسيأتي بيان السحر ان شاء الله ..

 

4_ الاستعاذة من الحسد ومن عامة الشرور :

ويشمل ذلك شر سائر المخلوقات سواء من الجن أو الأنس أو الهوام أو السباع أو الدواب أو الريح أو الصواعق أو الهواء أو النار أو الليل أو الكواكب وسائر أنواع البلاء وهذا يشمله قوله تعالى : ﴿ قل أعوذ برب الفلق * من شر ماخلق ﴾ الفلق 1-2

عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت : { أخذ النبي  بيدي , فنظر إلى القمر , فقال : ياعائشة , استعيذي بالله من شر هذا , فإن هذا هو الغسق إذا وقب } رواه الإمام أحمد في المسند , رقم 26042(6/237) , والترمذي في السنن في كتاب التفسير باب : ومن سورة ..

(( والسبب الذي لأجله أمر الله بالاستعاذة من شر الليل وشر القمر إذا وقب . هو أن الليل إذا أقبل فهو محل سلطان الأرواح الشريرة الخبيثة , وفيه تنتشر الشياطين )) . تفسير المعوذتين ص49 .

وعن عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله  إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : { ياأرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك , وشر ماخلق وشر ما فيك ومن شر ما يدب عليك , وأعوذ بالله من أسد وأسود , ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وماولد }

والأساود (( جمع أسود .. وهي أخبث الخبائث , ويقال له أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام )) . رواه أبو داوود في كتاب الجهاد باب : ما يقول الرجل إذا نزل المنزل رقم:2603(3/34 والحاكم في المستدرك رقم 2487:(2/110) وصححه .

وقيل (( حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس وربما كانت ذات قرنين )) .فتح الباري (6/348)

( ومن ساكن البلد ووالد وما ولد ) : (( ساكن البلد يريد به والله أعلم الجن الذين يسكنون الأرض , ووالد وما ولد : يحتمل أن يكون إبليس والشياطين )) . هامش سنن أبي داوود (2/40) ..

من صيغ الاستعاذة :

_ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

_ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم .

_ أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة .

_ أعوذ بوجه الله الذي ليس شيء أعظم منه .

_ أعوذ بوجه الله العظيم وسلطانه القديم .

مواضع الاستعاذة :

1_ عند الشعور بنزعات الشيطان ووساوسه قال تعالى : ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ﴾ . الأعراف : 200

وقال تعالى : ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ﴾ فصلت 36

2_ عند الدخول في الصلاة , ويرى بعض العلماء وجوبها بعد الاستفتاح في الصلاة وممن قال به عطاء _رحمه الله_ والجمهور على الاستحباب وهو الراجح .

ومن العلماء من استحبها في كل ركعة ورجحه النووي وقال به جماعة من السلف منهم ابن سيرين وعطاء والحسن وغيرهم . انظر مجموع للنووي (3/272) , الجامع لأحكام القرآن للقرطبي .

3_ عند دخول المسجد .

4_ عند تلاوة القرآن . قال تعالى : ﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾. النحل 98

5_ عند الغضب ومما تشرع عند الاستعاذة الغضب كما في التوجيه النبوي عندما استتب رجلان عند النبي  حتى إذا أحدهما ليمتزع أنفه من شدة الغضب فقال النبي  : { إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ” فقالوا ماهي يا رسول الله ؟ قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }..

6_ عند دخول الخلاء كما في الحديث عن أنس _  _ قال : كان النبي : { إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث }.متفق عليه .

7_ عند الفزع من النوم وعن الوحشة في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله  كان يعلمه من الفزع : { أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وإن يحضرون فإنها لسن تضره }. رواه الترمذي في كتاب الدعوات باب : دعاء من آوى إلى فراشه رقم : 3519(9/183) وقال هذا الحديث حسن غريب أ.هـ , ورواه أبو داوود في كتاب الطب باب : كيف الرقى رقم : 3893(4/11) .

8_ عند نزول المنزل عن خولة بنت حكيم_رضي الله عنها_قالت : سمعت رسول الله  يقول : {من نزل منزلاً ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك }. رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم : 2708(4/2080) .

9_ عند نباح الكلب ونهيق الحمير عن أبي هريره__ أن النبي  قال :{ إذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا }.

الوقفة الثانية : في السحر وخطره ..

والسحر هو : ” عقد ورقى وكلام يتكلم به أويكتبه أو يعمل به شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له وله حقيقة ” .. المغنى لابن قدامه (10/113) .

وقال الأزهري ” السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه .. ومن السحر الأخذه التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى وليس الأصل على مايرى .. وكل مالطف ودق فهو سحر وأصل السحر الصرف ” …لسان العرب(4/348)

وعده رسول الله  من الموبقات بل ذكره بعد الشرك مباشرة كما في الصحيح{ اجتبوا السبع الموبقات قالوا يارسول الله وماهن ؟ قال : الشرك بالله , والسحر , وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , والربا , وأكل مال اليتيم , والتولي يوم الزحف , وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } . رواه البخاري .

قال الشيخ العلامة ابن عثيمين-رحمه الله_ :

(( هو داخل في الشرك وإن كان دون ذلك , فهو جرم عظيم لأن السحر من أعظم ما يكون في الجناية على بني آدم , فهو يفسد على المسحور أمر دينه ودنياه , ويقلقه فيصبح كالبهائم , بل أسوأ من ذلك .. ولهذا كان السحر يلي الشرك بالله )). أ.هـ .. القول المفيد (1/498) .

ومن علامات الساحر والمشعوذ :

  • أن يسأل عن اسم الأم وعمر الشخص , وهذه علامة بارزة لأن الساحر يتعامل مع الشياطين وهي تنسب إلى أمهاتهم .
  • أن يطلب اثر ممن يريد سحره سواء شعر أو أظافر أو صور أو غير ذلك , وربما أخذ من أثره من المكان الذي سار فيه .
  • استخدام البخور .
  • استخدام الرموز والجداول والطلاسم والحروف المقطعة والمربعات والدوائر وخلط الآيات القرآنية والأحاديث مع تمتمات وعبارات غير مفهومه وأسماء هذه غالباً أسماء الجن والشياطين التي يستعينون بها .
  • إعطاء المريض الأحجبة المغلفة في الجلد أو الحديد أو النحاس وقد يأمره بلبسها أو تعليقها في عضده أو عنقه وغالباً يكون داخلها استغاثات شركية .

ومن أبرز صفاتهم كما ذكرها ابن تيمية_رحمه الله_ :

  • مباشرتهم للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان .
  • أكل الحيات والعقارب والزنابير .
  • ترك الوضوء والصلاة .
  • دعاء غير الله والاستغاثة بهم .
  • الجلوس في المزابل ومواضع النجاسات ومقابر الكفار .
  • كراهيتهم لسماع القرآن , وإقبالهم على الأغاني والألحان .

يقول الإمام الصنعاني_رحمه الله_ :

(( فإن قلت أنه قد يتفق من هؤلاء الذين يلوكون الجلالة , ويضيفون إليها أهل الخلاعة والبطالة خوارق وعادات , وأمور تظن كرامات كطعن أنفسهم , وحملهم لمثل الحنش والحية .. وأكلهم النار ومسهم إياها بالأيدي وتقلبهم فيها بالأجسام ..

قلت هذه أحوال شيطانية .. وأفعال طاغوتية وأعمال إبليسية يفعلها الشياطين لإخوانهم من هؤلاء الضالين .. وقد ثبت في الأحاديث إن الشياطين والجان يشكلون بأشكال الحية والثعبان .. وقد يكون ذلك من باب السحر .. )) أ.هـ  . تطهير الاعتقاد ص27_28

وليعلم المسلم أن تعلم السحر حرام وكذلك عمله قال النووي_رحمه الله_: السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع .. وإما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر .

وقال مالك : الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله .. (!!)..

قال القاضي عياض : ويقول مالك : قال أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين . أ.هـ . شرح مسلم (14/176) .

وفي مسائل عبدالله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : (( إذا عرف بذلك فأقر يقتل , يعني الساحر )) . ص427

وأضراره على البدن كثيرة وهو عمل فاسد من شيطان ضال ومنه باع دينه وديناه .

ومن أبرز أضراره ما يلي :

  1. التفريق بين الزوجين كما قال تعالى :﴿ فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ﴾ . البقرة : من الآية 102 .وهم غالباً يطلبون أثراً لمن يريدون سحره سواء من شعر أو ثوب .. أو غير ذلك .
  2. الجنون حيث يقوم الجني الموكل بالسحر بالتمركز في عقل المسحور .
  3. القتل فمن السحر ما يقتل .
  4. المرض فقد يتمركز في عضو معين ويعطله فيصاب بالعمى أو الشلل .
  5. الوسواس ورؤية الأحلام المزعجة كالحيوانات المفترسة والثعابين وغير ذلك .
  6. النزيف عند المرأة , فيقوم الجني المكلف بالتمركز في رحم المرأة ويركض في العرق فيستمر نزول الدم عليها .
  7. حبس الرجل عن امرأته وهو ما يعرف (( بالربط )) فلا يستطيع مجامعتها .

قال ابن قدامه_رحمه الله_ (( فمنه_أي السحر_ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يحبب بين اثنين))أ.هـ . المغني (10/113) .

وللوقاية من السحر وإبطاله ينبغي على العبد الإكثار من الذكر وقراءة القرآن وآية الكرسي وسورة البقرة _ كما سيأتي إن شاء الله _..

قال ابن كثير_رحمه الله_:(( انفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك وهما المعوذتان .. وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان )) أ.هـ . تفسير القرآن(1/159)

الوقفة الثالثة : في الحسد ..

والحسد قسمان :

(( حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة , وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره دون زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة )).شرح مسلم للنووي(6/97) .

وقد دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود , فنفس حسده شر متصل بالمحسود نفسه وعينه , إن لم يؤذه بيده ولا لسانه .. فإذا خطر ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه , وتوجهت إليه سهام الحسد من قلبه فيتأذى المحسود بمجرد ذلك … )) . تفسير المعوذتين ص65_66

ولدفع شر الحاسد عليك بالتزام عشرة أسباب كما ذكرها ابن القيم_رحمه الله_ ..

أحدها : التعوذ بالله من شره , والتحصن به واللجوء إليه .

الثاني : تقوى الله , وحفظه عند أمره ونهيه .

الثالث : الصبر على عدوه , وألا يقاتله ولا يشكوه , ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً .

الرابع : التوكل على الله , فمن يتوكل على الله فهو حسبه .

الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به , والفكر فيه .

السادس : الإقبال على الله والإخلاص له , وجعل محبته ورضاه والإناء إليه محل خواطر نفسه .

السابع : تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه .

الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكن .

التاسع : إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه .

العاشر : وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد .

الوقفة الأخيرة : التحصين ..

كيف نحصن أنفسنا من شر شياطين الأنس والجن ومن السحر والحسد ومن سائر الشرور ؟!!

أولاً / تقوى الله تعالى ومراقبته وتحقيق العبودية لله تعالى والإخلاص له وصدق التوكل عليه قال تعالى : ﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾ . الأعراف 201

قال تعالى : ﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ﴾. الاسراء 64

وقال تعالى : ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ﴾ . الحجر 42

والإخلاص هو حصن عظيم من الشياطين والجن قال تعالى : ﴿ قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين   إلاعبادك منهم المخلصين ﴾ . الحجر 39:40

ثانياً / ملازمة الذكر كما في حديث الحارث الأشعري__أن رسول الله قال : { .. وآمركم بذكر الله كثيراً , ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره حتى أتى حصناً حصيناً احرز نفسه منه , وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله }. جزء من حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه رقم1895(3/195) واللفظ له والحاكم في المستدرك رقم : 1534(1/582) وقال((هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) أ.هـ وأحمد في المسند رقم : 17209(4/130) .

وفي الأثر عن ابن عباس_  _ قال : { الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس , فإذا ذكر الله تعالى خنس }. رواه ابن جرير في تفسيره (3/28) , وذكره ابن الأثير في جامع الأصول رقم :897(2/ ) وهو في مشكاة المصابيح رقم : 2281(2/705) ولم يعلق عليه الألباني .

وقد جاءت النصوص بتخصيص بعض سور وآيات القرآن الكريم بمزيد مزية في دفع الشياطين ومنها :

1)  سورة الفاتحة :

وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه نبينا محمد  كما في البخاري عن أبي سعيد بن المعلى_  _ قال : كنت أصلي فدعاني النبي  فلم أجبه فقلت : يارسول الله كنت أصلي قال:  { ألم يقل الله :﴿  ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ﴾ . الأنفال : 24

ثم قال ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن نخرج من المسجد , فأخذ بيدي , فلما أردنا الخروج قلت : يارسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن , قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته } .

2)  سورة البقرة :

ففي الحديث { لاتجعلوا بيوتكم قبوراً إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة } . رواه مسلم في كتاب (( صلاة المسافرون وقصرها )) رقم : 780(1/439) .

وعن أبي أمامه الباهلي قال : سمعت رسول الله  يقول : { اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه , اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة }. البطلة: السحرة .

ومعنى لاتستطيعها البطلة:أي لا يمكنهم حفظها , وقيل لا تستطيع النفوذ في قارئها. تفسير ابن كثير(1/35) .

وفيها آية الكرسي :

مثبت في حديث أبي هريرة_  _ قال:قال رسول الله : { أن لكل شيء سناماً وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية سيدة أي سيدة القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه : آية الكرسي } . رواه الحميدي في مسنده , رقم944(2/437) والحاكم في المستدرك رقم : 2059(1/748) ؛ وقال : (( صحيح الاسناد ولم يخرجاه )) أ.هـ .

وفي حديث أبي هريرة_  _في الصدقة عندما جاءه الشيطان يحثو من الصدقة فلما هم برفعه في الليلة الثالثة إلى الرسول  فقال : { دعني اعلمك لكلمات الله بها قلت : وماهي ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي ).. ﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لاتأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات ومافي الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ﴾ فإنكلن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح } .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله_ (( … فقد جرب المجربون الذين لايحصون كثره ,أن لها من التأثير في دفع الشياطين وإبطال أحوالهم ملا ينضبط من كثرته وقوته فإنها لها تأثيراً عظيماً في دفع الشياطين عند نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشباب مثل أهل الظلم والغضب , وأهل الشهوة والطرب , وأرباب السماع المكاء والتصدية , إذا قرئت عليهم بصدق دفعت الشياطين وبطلت الأمور التي يخيلها الشيطان .. )) أ.هـ . مجموع  الفتاوى(19/55_56)..

وفيها أيضاً الآيتان الأخيرتان :

وفي فضلهما ما ورد عن ابن مسعود_  _قال : قال رسول الله  {الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه }. رواه البخاري في كتاب المغازي باب شهود الملائكة بدرا رقم :3786 , ومسلم في كتاب صلاة المسافرين رقم: 807(1/555)..

3)  سورة الإخلاص والمعوذتين :

في الصحيحين عن عن عائشة_رضي الله عنها_أن النبي  { كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة , جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما ﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾ و ﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وماأقبل من جسده , يفعل ذلك ثلاث مرات }.رواه ابو داوود في كتاب الدب : باب مايقول إذا أصبح رقم:5083(4/324) , والترمذي في كتاب الدعوات باب رقم:ح الحديث 3575(5/567) وقال ((هذا الحديث حسن صحيح غريب))أ.هـ ..

وهاتان السورتان من أعظم ما يتعوذ به , وبينهما تناسب وتوافق , كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية , حيث أن منبع الوسواس شيطان الجن أو نفس الإنسان , وسورة الناس فيها الاستعاذة من الشر الصادر من الخلق عموماً , فكانت الاستعاذة بهما أكمل استعاذة .

عن عبدالله بن حبيب_  _قال : { خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله  ليصلي لنا فأدركناه فقال : أصليتم , قال : فلم أقل شيئاً , فقال : ( قل ) , قال : فلم أقل شيئاً , ثم قال : ( قل ) , فلم أقل شيئاً , ثم قال : ( قل ) , فقلت يارسول الله ما أقول ؟ قال : ( قل هو الله أحد والمعوذتين حتى تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء} . سبق تخريجه .

4)  الالتزام بأذكار الصباح والمساء :

عن عثمان بن عفان_  _أن رسول الله  قال : { ما من عبد يقول في صباح كل يوم , ومساء كل ليلة , بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء } . رواه ابو داوود في السنن في كتاب الأدب , باب: مايقول إذا أصبح رقم:896, وابن ماجه في كتاب الدعاء(2/1273) والترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى رقم:3388(5/465).

وفي الحديث أيضاً عن أبي بكر_  _قال : يارسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال : { قل اللهم فاطر السموات والأرض , عالم الغيب والشهادة , رب كل شيء ومليكه , أشهد أن لا إله إلا أنت , أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه , وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره على المسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك } .تخريجه ص 820

5)  ذكر الله في المنازل :

عن أبي أمامه الباهلي_  _أن رسول الله  قال : { ثلاثة كلهم ضامن على الله عزوجل : رجل خرج غازياً في سبيل الله عز وجل فهو ضامن على الله عز وجل حتى يتوفاه فيدخله الجنة , أو يريده بما نال من أجر وغنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرد بما نال من أجر وغنيمة , ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله سبحانه وتعالى } .رواه أبو داوود في كتاب الجهاد باب : فضل الغزو في البحر رقم:2494(3/7) والحاكم في المستدرك رقم: 2400(2/83) , وقال ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والبيهقي في السنن الكبرى رقم:18319(9/166) وحسنه النووي في الأذكار ص2..

ومعنى ضامن (( أي صاحب ضمان , والضمان الرعاية للشيء فمعناه أنه في رعاية الله )) . الأذكار للنووي ص 2

ثالثاً / حفظ الجوارح : (( والجوارح جمع جارحة وهي الأعضاء التي يكتسب بها الإنسان ومنه السمع والبصر واليدين والرجلين واللسان .. ومن أشدها النظر واللسان .

قال ابن القيم :_رحمه الله_(( وأكثر المعاصي إنما يولدها فضول الكلام والنظر , وهما أوسع مداخل الشيطان فإن جارحتيهما الإيمان ولا يسأمان بخلاف شهوة البطن فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة  للطعام , وأما العيون واللسان فلو تركا لم يفترأ من النظر والكلام فجنايتهما متسعة الأطرف ..عظيمة الآفات)) .

_يقول القرطبي:_رحمه الله_ (( البصر هو الباب الأكبر إلى القلب , واعمر طرق الحواس إليه , بسبب ذلك كثر السقوط من جهته , ووجب التحذير منه وغضه عن جميع المحرمات)) أ.هـ

لذا حذر الإسلام من إطلاق النظر في الحرام كما في حديث علي بن أبي طالب__ { لا تتبع النظرة النظرة , فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة}.رواه الحاكم في المستدرك رقم2877(2/212) ,وقال:(( هذا حديث صحيح على شروط مسلم ولم يخرجاه )) أ.هـ , وأبو داوود في السنن كتاب الأدب رقم: 2148(2/246) , والترمذي في سننه رقم 2776(5/101) .

وقد شرع الإسلام شرائع وقائية لمنع فتنة البصر ومنها :

أ‌)       الاستئذان لئلا يقع البصر على ماحرم الله النظر إليه , عن سهل بن سعد__ قال : { أطلع من حجر في حجر النبي  ومع النبي مدرى يحك به رأسه فقال : لو أعلم إنك تنظر لطعنت به في عينيك , إنما الاستئذان من أجل البصر }.رواه البخاري في كتاب الاستئذان باب: الاستئذان من أجل البصر رقم:5887(5/2304) ومسلم في كتاب الآداب رقم:2156(3/1698) .

ب‌)  تحريم الدخول على النساء , حتى المحارم بدون استئذان خشية الاطلاع على العورة , عن عطاء بن يسار { أن رسول الله  سأله رجل فقال : استأذن على أمي قال : نعم قال الرجل إني معها في البيت فقال رسول الله  استأذن عليها فقال الرجل إني خادمها فقال له رسول الله  استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال : لا , قال : فأستأذن عليها } .رواه مالك في الموطأ رقم:1729(2/963) مرسلا , والبيهقي في السنن الكبرى رقم:13336(7/97) , وابن جرير في تفسيره(18/112) وابن أبي شيبة في مصنفه رقم17600(4/42) قال ابن عبدالبر(( وهو مرسل صحيح مجتمع على صحة معناه))أ.هـ التمهيد(16/229) .

ج) حرم الخلوة بالأجنبية وفي الحديث { لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان }.

د) شرع الحجاب على المرأة : حيث جعله الإسلام حصناً حصيناً للمرأة تدفع به عن نفسها النظرات وتزهق به أرواح ذئاب البشر , الذين لاهم لهم إلا تتبع النساء والنظر إليهن , ليهنؤوا بلقمة سائغة في مستنقع الرذيلة .

وفي حفظ اللسان ورد الوعيد الشديد في إطلاقه والنهي عن فضوله . عن أبي هريرة__قال : قال رسول الله  : { إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب } . رواه البخاري في كتاب الرقاق باب حفظ اللسان رقم6112(5/2377) .

وآفاته كثيرة وأعظمها القول على الله بلا علم , وتحريم الحلال وتحليل الحرام , إلى غير ذلك من آفاته كالغيبة والنميمة والمراء والجدل والقذف , والسب , واللعن , وسب الأموات والسخرية والاستهزاء والكذب والخصومة والتقعر وشهادة الزور .. انظر مدارج السالكين(1/114_115) وقاية الإنسان من الجن والشيطان وحيد عبد السلام صـ300 وما بعدها .

رابعاً / كثرة الطاعات : فكلما أكثر العبد من الطاعات والقربات كانت سبباً لقوة الإيمان الذي هو سبب في طرد الشياطين , قال تعالى:﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين﴾. الحجر 42 .. وجاء في الحديث عن أبي هريرة__عن النبي قال: { إن المؤمن لينضني شياطينه كما ينضني أحدكم بعيره في السفر }…(( لأنه كلما اعترضه صب عليه سياط الذكر , والتوجه والاستغفار والطاعة , فشيطانه معه في عذاب شديد , ليس بمنزلة شيطانه الفاجر الذي هو معه في راحة ودعه , ولهذا يكون قوياً عاتياً )) . تفسير المعوذتين لابن القيم ص 105

خامساً / التوبة والاستغفار : قال ابن القيم_رحمه الله_ (( فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح , وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه , فيشغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها .. والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه )) أ.هـ .بدائع الفوائد(2/467).

وللتوبة فضائل كثيرة ومزايا عظيمة منها :

_ أنها سبب لحصول الندم والانكسار والقرب من الله تعالى ودوام التضرع والدعاء مما يكون سبباً في دخول الجنة .

_ أنها سبب لنجاته ممن بغى وتسلط عليه من أعدائه من الجن والإنس والشياطين .

_ أنها سبب انشراح الصدر وحصول حلاوة الإيمان وأنوار الهداية .

_ أنها سبب لمغفرة جميع السيئات والمعاصي صغيرها وكبيرها .

وأما الاستغفار فهو مأخوذ من الغفر وهو الستر والتغطية ومعناه ” طلب المغفرة من الله , وهو محو الذنب ,وإزالة أثره , ووقاية شره ” ..

والفرق بينه وبين التوبة أن الاستغفار أعم , فكل من الاستغفار والتوبة يتضمن أحدهما الآخر , ويدخل في مسماه عند الإطلاق , ولكن الإستغفار أعم , فليس كل مستغفر تائب وكل تائب مستغفر ..

كما أن الاستغفار طلب إزالة الضرر ودفع الشر , وأما التوبة فطلب جلب المنفعة وحصول مايحب .

والاستغفار قد يكون باللسان فقط والقلب مصر على الذنب , بخلاف التوبة لا بد فيها من تواطؤ القلب واللسان … انظر مدارج السالكين لابن القيم(1/307_309) . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(5/380) مجموع الفتاوى(10/655) .(7/488).

 

Scroll to Top