للنساء جرعة فقه تقي من غوائل الجهل.

للنساء، جرعة فقه تقي من غوائل الجهل:
د. أفراح علي الحميضي.

علينا أن نعترف وبخجل شديد أننا نحن النساء أو أغلبنا -إذا صحَّ التعبير- لا نملك الحد الأدنى من التفقه في الدين، خاصةً فيما يخص أمورنا النسائية الخاصة.
فمنا من لا تعرف كيف تؤدي الصلاة كما يجب، الفرق بين الركن والواجب، أحكام سجود السهو، ولربما صلَّت صلاة غير كاملة فلا تجبرها بذلك السجود؛ لجهلها به، أو لربما أتت به في غير موضعه، ومن النساء من لا تعرف أوقات الصلاة، فلرُبَّما صلَّت بعد خروج الوقت أو صلَّت قبل دخول الوقت؛ حرصًا على عدم فوات الصلاة لارتباطها بحفلة ما!
ومن النساء من تتساهل في الوضوء فلا تتم غسل أعضائها، خاصةً إذا كانت مستعدة لحفلٍ ما، وكانت بكامل زينتها ولا تريد أن يمسّ الماء بشرتها …إلخ.
ومن النساء من لا تعرف أحكام الزكاة، فلربّما كانت من ذوات الأموال، لكنها لا تعلم كم نسبة الزكاة التي يجب عليها أن تخرجها، ومن النساء من لا تعلم بأحكام اللباس والزينة، وما هي حدود المباح والمحظور في ذلك، فلربما امتنعت عن لبس ما هو حلال أو لبست ما هو ممنوع شرعًا وعُرفًا.
ولا يقتصر الأمر على هذا، فكثير من النساء يجهلن أحكام الحيض وما شابهها، فبعض النساء لا تعلم مثلاً أن الكدرة بعد الطهر لا تعني شيئًًا، وأن الكدرة قبل الطهر تعني شيئًا، وأنه لا يجوز لها أن تؤخر الغسل أو تقدمه إلا حسب حالها، وإن شئتم أن تستدلوا على مدى جهلنا نحن النساء بهذا الأمر اللصيق بنا، فاستمعوا إلى برنامج “سؤال على الهاتف” من الإذاعة لتروا أن أغلب الأسئلة المقدمة من النساء -خاصةً في شهر رمضان- حول موضوع الحيض، أسئلة مكررة فحواها واحدة.
أظنُ أن الأمر جدُّ محرج؛ ألا يكون لدينا حد أدنى من التفقه والفقه في هذا الموضوع الملازم لنا من بواكير أعمارنا، حقيقةً كما قال شيخنا محمد صالح العثيمين: “إنَّ مشاكل النساء في هذا الموضوع بحرٌ لا ساحل له”، إلا أنَّ هناك ثوابت في هذه المسألة لا بد لكل امرأة أن تعلمها.
ومما يثير الاستغراب أنه بقدر ما توسع التعليم، وتعددت تخصصاته ومجالاته، إلا أن جهلنا نحن النساء بهذه الأمور الفقهية قد زاد بشكل لا يُتصور أبدًا.
هل التفقيه في الدين مسؤولية الأسر، أم المدارس، أم هو مسؤولية المجتمع عمومًا، أم أن الأمر شخصي؟
هل مناهج الفقه لم تعد تفي بحاجات المرأة والأسرة ومستجدات الحياة؟ أم أن تدريس هذه المادة لم يعد يخرج عن الإطار النظري؟
هل اهتمامات النساء تشتتت من التفقه في الدين إلى اهتمام بتفسير الأحلام؟ وموضات الأزياء!
أين دور الأم والأب في تفقيه أفراد الأسرة بالحد الأدنى الضروري من الفقه؟ أين دور الأم بالذات في تبصير ابنتها بأمور النساء فتحرص على تزيينها بالفقه كما تحرص على تزيينها بالذهب؟
لماذا لا نسمح لأنفسنا باقتطاع شيء من أوقاتنا لنكتسب به زادًا نتبلَّغ به إلى آخرتنا، ونسقيه لأبنائنا مع أول رشفة حليب؟
إن تفقه الأم والمرأة عمومًا في دينها يمنحها ثقةً في النفس لا تتأتَّى لمن يجهل ذلك؟
كثير من النساء يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق الرجعي ويجهلن أن المفروض عليهن أثناء العدة البقاء في بيوتهن، فتضيع من أجل خروجهن فرص عديدة لرأب الصدع ما كانت لتضيع إلا بسبب الجهل بهذه الأحكام، وبالحكمة من هذا التشريع.
وهل امرأة تعرف أحكام العدة والحداد مثل امرأة تجهل ذلك! بعض النساء تكلِّف نفسها ما لا طاقة لها به بسبب غلبة بعض العادات السيئة، ونصائح بعض جهلة النساء مما يجعل فترة الحداد والعدة كابوسًا مظلمًا، والله لم يكلِّف نفسًا إلا وسعها.
وهل امرأة تعرف أحكام الزواج وحقوقها وواجباتها مثل امرأة تجهل ذلك، فإما أن تثير مشاكل عديدة بينها وبين زوجها بسبب جهلها بحقوق زوجها أو مطالبتها بما ليس لها، أو لربما ضاعت حقوقها بسبب تساهلها فيما لها، فلا حق طالبت به، ولا واجب أدته.
إن تفقه المرأة في دينها بقدر ما هو واجب لتعلم أمور دينها، فهو واجب ليحميها من أخطار الجهل وغوائله، فيما لها وعليها، فهل أدركت كل النساء أن حاجتهن للفقه أشد من جرعة الماء عند الظمأ.

Scroll to Top