اللباس والزينة في حياة الفتاة المسلمة.

اللباس والزينة في حياة الفتاة:

د. نوال العيد.  

إننا نحتاج في هذه الفترة بالذات فترة الإجازة الصيفية إلى فهم معنى التقوى والعمل به، ومعنى التقوى: كمال توقي الإنسان ما يضره يوم القيامة.
وهناك مكارم يورثها التقوى لأهله:
– المكانة الرفيعة: ينبغي على المرأة والفتاة أن تثبت مهما تعرضت للسخرية، وألا تلتفت إليها، فأنا وأنتِ سائرتان إلى طريق إما نهايته الجنة أو النار؛ لذا يجب التفكير مليًا في أي طريق نحن نسير، فليس من أحد يقف مكانه، كلنا سائرون لكن الذي يختلف جهة السير وسرعته.
ونحن نعيش وقت فتنة؛ لذا علينا النظر إلى أهل الثبات السائرين على طريق الحق، وترقب آثارهم، فأين نحن من الجن: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) بمجرد أن سمعوا القرآن لمرة واحدة، غدا منهم دعاة، لماذا؟ لأن القلوب حية، وللأسف نحن البشر كم مرة سمعنا القرآن، وحضرنا الدروس، ومنا من ظل مصرًا على أخطائه.
– محبة الله للمتقين: (فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين) ومن يحبه الله هو الفائز، (وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
– تحقق الفلاح: أوسع كلمات العربية الفلاح أي التوفيق في جميع الأمور، والمرأة التي تتقي الله تفلح في حياتها الزوجية وتربية أولادها، ووظيفتها، ومن تريد أن تسعد وتعيش مطمئنة عليها بتقوى الله، أهل التقوى أهل الاستقرار، لا يقلقون ولا يحزنون مطمئنون لأمر الله.
– البركات المعنوية: التقوى مفتاح البركة المعنوية والراحة النفسية؛ فالتي تريد البركة ورحمة الله عليها بالتقوى.
– الحفظ من وساوس الشيطان: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)، وعلى الإنسان هنا أن يتقي الله حتى في خواطره القلبية، بأن يدفع تلك الخواطر السلبية، وسبيل وقفها تقوى الله.
– النجاة من النار والهلاك.
– كفلين من الرحمة: يجعل الله له كفلين من الرحمة.
– النجاة من الكيد: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا).
– استقبال الملائكة لأهل التقوى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
وهناك أمران مهمان ينبغي الاهتمام بهما:
1- العلاقات:
ما يردنا من شكاوى يتمحور أغلبها حول الخصومات والعداوات بين النساء، والقلوب غدت بحاجة            ماسة إلى التنظيف؛ فعلينا بالعفو، تعالوا نعفو، نعفو لنكُن أهل المعروف في الدنيا والآخرة، نعفو            لنقطع على أصحاب الفتن، نعفو لنفرج عن مكروب، نعفو لنغيظ الشيطان، وثبت في صحيح مسلم       عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل      رحيم القلب بكل ذي قربى، ومسلم متعفف ذو عيال)، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-          في الحديث الحسن الذي أخرجه الطبراني عن أبي عنبة -رضي الله عنه وأرضاه- (إن لله تعالى آنيةً      من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها)، من الأمور التي تعين        على تنظيف القلوب صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

2- قضية اللباس:
لماذا نلبس، وما هي المقاصد الشرعية للباس: نلبس لعدة أمور ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة:
أ- أنه صورة من صور تكريم بني آدم، ولما يبدأ الناس ينزعون اللباس عنهم، فهو دليل مشابهة البهائم والحيوانات؛ ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمد الله حين يلبس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لبس ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)، لماذا هذا الأجر؛ لأنه قدّر نعمة الله عليه.
ب- نلبس لأن في اللباس عفة، وأن في اللباس دلالة على التقوى من الداخل (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون)، يمتنّ الله على عباده بما جعل لهم من لباس (لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ)، المقصود بها: ستر العورات، (وَرِيشًا) المقصود بها التجمل وهي من الكماليات، وقضية ستر العورة هذه قضية شرعية، وأن لباس التقوى مرتبط داخله بخارجه.
ما هي الضوابط:

1- أول قضية ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ومخيلة)، الحديث نص في مشروعية التجمل ولكن حذّر من الإسراف وهو مرض متعلق بالجسد، والمخيلة وهو مرض يتعلق بالنفس، وللأسف أن تقييم الناس لبعضهم الآن على حسب الماركة التي يرتدونها، حتى وقعنا في الكبر.
2- الحذر من التشبه بالكفار باللباس، هناك أمران ضروريان يجب التنبه لهما، أي شيء يرتبط بالكفار وأديانهم يحرم التشبه به حتى لو فعله الناس “كعيد الحب”، مثلاً لأن الأمر مرتبط عندهم بآلهة الحب، كذلك دبلة الزواج التي يرتدونها بعد مباركة القسيس لزواجهما.
القسم الآخر ما كان التشبه به من عاداتهم ومنها لباسهم،  فلا يجوز شرعًا أن نتشبه فيما كان من خصائصهم مستدلة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى عليه ثوبين معصفرين فقال: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)، وكذلك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من تشبه بقوم فهو منهم)، فحذارِ من ارتداء أو إلباس أولادنا ما فيه تشبه بالكفار، قال ابن تيمية: “إن موافقة القوم قد تكون موصلة إلى درجات ودركات الكفر”، أي من يوافقهم في الظاهر يؤدي لموافقتهم بالباطن، كالذي يرتدي ثياب الجندي أو المزارع فإنه يتصرف مثلهم، أو كما يحدث لدى الكثيرات منا عندما ترتدي فستانًا للمناسبات فإن مشيتها وجلستها تختلف عن ما هي معتادة عليه عندما تكون مرتدية لثيابها العادية.
وحذارِ أيتها الأمهات اللواتي لا يلقين بالاً إلى ثياب بناتهن أو يجلبن بأنفسهن لهن الثياب غير مناسبة، فالأم حين تلبس ابنتها لباسًا مخالفًا فهي تورط ابنتها بيدها وتغيّر ما في باطنها.
3- ألا يكون شفافًا، وللأسف الآن صرنا نرى لباس البنات يظهر بطونهن وصدورهن عارية وقد جاء في الحديث: (سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات)، قصة الخمار الذي شقته عائشة -رضي الله عنها- تقول أم علقمة بنت أبي علقمة رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كسي الناس بالقباطين وهي ثياب بيض رقاق من الكتان أعلن قائلاً لا تُلبِسوها نساءكم، فقال رجل يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت وأدبرت فلم أره يشف “أي يظهر الجلد”، قال عمر: إن لم يشف فإنه يصف أي يلتصق بالجسد فيبرز معالمه.
4- ألا يكون ضيقًا بحيث يبرز حجم العظم كأن لم يكن عليها لباسًا وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لك لا تلبس القبطية؟ فقلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال: (مرها أن تجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)، لذلك أكّد العلماء على المرأة المسلمة في لباسها بأن لا يظهر حجم العظم كما لم ترتدِ شيئًا.
5- عدم التشبه بلبس الرجال: البعد كل البعد عن التشبه بلبس الرجال، فهناك قضية مهمة يجب التنبه لها، الغرب يسعى إلى إضفاء الشرعية على الجنس الثالث “الشواذ” لذلك صنعوا ألبسة يمكن أن ترتديها المرأة والرجل، وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والمرأة تلبس لبس الرجل)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله -عز وجل- إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث) “رواه النسائي”، وفي رواية الإمام أحمد: (لا يدخلون الجنة).
6- لباس الشهرة: أيضًا من المحاذير لباس الشهرة، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة)، ولباس الشهرة هو ما رفع الناس أبصارهم إليك سواءً كان خسيسًا أو نفيسًا، فالقضية هنا ليست قضية جمال وإنما مخالفة المألوف.
7- الصورة: من المحاذير الشرعية في اللباس فأنا وأنتِ نحتاج للملائكة، وكذلك أطفالنا، فلماذا نحرم أنفسنا وإياهم من الملائكة حين نلبس ثيابًا فيها صور، فالطفل حينما يولد يرافقه ملكان “المعقبات” الحفظة، وعندما يبلغ يرافقه أربعة المعقبات وملكان عن اليمين والشمال يسجلان ما يقول ويفعل، هذه الملائكة تفارق الإنسان إن لبس ثيابًا فيها صور، فنحن معنا عالم غيبي لا نراه؛ لذا ينبغي ألا نجعل الشيطان يستحوذ بنا فتتخلى عنا الملائكة، إذ أن الله جعل للإنسان قرين من الملائكة وقرين من الشيطان، فإذا وضع العبد رأسه قال له الملك اختم بخير، فإن ختم بخير باتت الملائكة تكلؤه، وإن ختم بشر كان الشيطان معه وتخلت الملائكة عنه.
عورة المرأة أمام المرأة:
هناك نقطة مهمة جدًا في قضية عورة المرأة أمام المرأة، بأن أهل العلم عندما تحدثوا عن عورة المرأة أمام المرأة بين السرة والركبة لم يُقصد بها اللباس إنما قضية النظر، أي لا يجوز شرعًا أن تنظر المرأة إلى المرأة ما بين السرة والركبة، فهي عورة مغلظة لا يجوز النظر إليها إلا للضرورة كمرض مثلاً، وليست القضية قضية لباس، فاللباس نستشفه من مجموع الأدلة الشرعية في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كحديث رسول الله : (صنفان من أهل النار لم أرهما) فذكر صنفًا، وقال عن الصنف الثاني (نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائل، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها يوجد في مسيرة كذا وكذا)، وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أسامة بن زيد قال: (كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لك لا تلبس القبطية؟ فقلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال: (مرها أن تجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)، وقد ثبت عن أهل العلم أن المرأة تخرج عند النساء ومحارمها من الرجال يجوز لها شرعًا ما دعت الحاجة إلى إخراجه في بيتها كمواضع الزينة منها؛ وموضع القلادة من النحر، والخواتم والأساور أي اليد والمعضد أربع أصابع فوق المرفق، الخلاخل أي بداية الساق.
وأنصحكن بقراءة كتاب: إزالة الالتباس عن حكم لباس المرأة المسلمة بين النساء للأستاذة نوف المسمى، إذ فيه معلومات وافية حول هذا الموضوع.
والتعري دلالة على نقص الإيمان في القلب، وحذارِ من العبارات التي يبرر البعض أخطاءهم بها كالجميع يلبسن، هذه الموضة الآن، كيف  يكون التميز، وأين الثبات على المبدأ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التعري فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يُفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم)، فأين إكرامك للملائكة؟
وعليكن أخواتي المسلمات أن تحرصن على أن يكون في لباسكن سمة الصالح الذي يظهر للآخرين انتماءها لهذا الدين صبغة الله، واعلمن أنكن كلما كنتن أكثر سترًا في الدنيا دلالةً أن الله سيسارع في كسوتكن يوم القيامة، وإن أول من سيكسى على رؤوس الأشهاد يوم القيامة إبراهيم -عليه السلام- لأنه أول من لبس السراويل.
وعليكن بالعفة، والحرص على ستر العورات، انظروا في هذه الآية: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا)، لقد أسماها الله فتنة.
والتحلي بالحياء حيث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياءً من العذراء في خدرها؛ فالحياء من الإيمان، وتمسكي بأربع من سنن المسلمين: الحياء والتعطر والسواك والنكاح، فعائشة -رضي الله عنها- حينما قالت : كنتُ أدخل بيتي الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي، فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر -رضي الله عنه- معهما، والله ما دخلته إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه، هذا وهو ميت.
أيتها الأمهات ينبغي عليكن التوازن بين المنع والمناعة في التعامل مع بناتكن في قضية اللباس، أولاً من ناحية الإقناع، وثانيًا من حيث إعطائها البديل الأجود بأن تختار لها الثياب الجميلة الأنيقة وما تتطلبه من تكميلات بالإضافة إلى كونها ساترة، أي المزاوجة بين الستر والجمال والأناقة لتجد الفتاة السعادة فيما تلبس ولتكون قدوة حسنة تتمنى أن تقلدها الفتيات فيما ترتدي.
وعلينا أن نتمسك بثلاثة منطلقات:
1- الثبات حول التقوى: من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، ومنها اللباس.
2- اغسلي قلبك، وسامحي من ظلمك واعفي.
3- تميزي في ملابسك الساترة الجميلة، وكوني مفتاح خير، داعية للخير.
Scroll to Top