التربية الذاتية .

التربية الذاتية :

د. محمد الدويش 

 

ماذا نعني بالتربية الذاتية ؟
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، منيهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمد عبدالله ورسوله، أما بعد:
فأول مسؤوليات الإنسان هي مسؤوليته عن نفسه، ومن ثم فحري به أن يعنى بتربيتها وإصلاحها، لذا كان لابد من الحديث عن التربية الذاتية، وهو موضوع حديثنا هذه الليلة.
ماذا نعني بالتربية الذاتية:
عندما نتحدث عن التربية الذاتية أو عن دور الشاب في تربية نفسه فإننا نقصد بها ذلك الجهد الذي يبذله الشابمن خلال أعماله الفردية، أو من خلال تفاعله مع برامج عامة وجماعية لتربية نفسه؛  فهي تتمثل في شقين: الأول : جهد فردي بحت يبذله الشاب لنفسه، الثاني :جهد فردييبذله من خلال تفاعله مع برامج عامة، وسيأتي مزيد توضيح لهذا الجانب.

لماذا التربية الذاتية؟
عندما نطالب الشاب بأن يدرك مسؤوليته عن تربية نفسه، ونطالب الشاب بأن يقوم بجهد في تربية نفسه،فلماذا هذه المطالبة؟ وما المبررات والمسوغات للحديث عن هذه التربية الذاتية؟
إننا نقول لكل شاب، بل نقول لكل مسلم صغيراً كان أم كبيراً، ذكراً كان أم أنثىلابد أن تتحمل مسؤوليتك في تربية نفسك، فالذي يدفعنا لذلك مبررات عدة،منها:
أولاً: مبدأ المسؤولية الفردية:
إن المسلم بل كل إنسانفي هذه الحياة مسؤول مسؤولية فردية يقول – جل وعلا – (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإنتدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى). ، ويقول سبحانه  (كل نفسٍبما كسبت رهينة) .
إنك حين تقرأ في نصوص القرآن الكريم أو في نصوص السنة النبوية تجد التأكيد الواضح على أن كل فرد مسؤول مسؤولية خاصة عن نفسه، حتى ذاك الفرد يتعرضإلى الإضلال والغواية من خلال الضغط الذي يمارسه عليه غيره، سواء أكان ضغطاً نفسياًأم ضغطاً اجتماعيّاً -أيّاً كان مصدر هذا الضغط- لا يعفيه ذلك من المسؤولية، ونقرأفي القرآن الكريم في آيات عدة نماذج من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين الذين اتَّبَعوا وبين الذين اتُّبِعوا، أو بين الذين استضعفوا والذين استكبروا، فيأتي المستضعفون يطالبون أولئك المستكبرين الذين كانوا سبباً في إضلالهم وغوايتهم أنيتحملوا عنهم جزءاً من العذاب (وقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهلأنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص). (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار) .
وقال صلى الله عليه وسلّم: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور منتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر مثل أوزار من تبعه غير أنه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً”. وفي الحديث الآخر: “ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً“.
فهذا فلان من الناس اتبع زميله أو صديقه أو أباه، وسار وراءه وأصبحظلاًّ له، حتى قاده إلى طريق الضلالة والانحراف سيأتي يوم القيامة هذا الذي أضلهيحمل وزر نفسه ووزر هذا الذي أضله (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزارالذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) . 
ولكن هذا المستضعف لن يعفيه ذلك من المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، ولن يغنيه أن يتلفت يمنة ويسرة، تارة يطالب صاحبه الذي أضله ، وتارة يرجو منه أن يتحمل عنه جزءاً من العذاب (إنا كنا لكم تبعاًفهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار).
ومع ذلك لا يعفيه من العذاب، أليس هذا وحده دال على المسؤولية الفردية للإنسان، في أي بيئة وفي أي مجتمع وجد، وحتى لو سار وراء صاحبه وهو يظن أنه يحسن صنعاً فإن ذلك لا يعفيه أمام الله عز وجل، أرأيتم هذا القطيع الهائل الذي يسير وراء مشايخ أهل الضلال والخرافة، أو وراء غيرهم من أصحاب البدع والانحراف والضلال، كم يظن أولئك أنهم يحسنون صنعاً؟ وكم يظن هؤلاء أن أسيادهم وعلماءهم وأئمتهم يقودونهم إلى الطريق المستقيم الذي لا طريق سواه، إنهم ممن قال الله تعالى فيهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً* الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) .
لنأخذ مثالاً من السيرة يجلي لنا هذه الصورة تجلية واضحة، فحين نقض بنو قريظة العهد في غزوة الأحزاب، سار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلّم بأمر الله سبحانه وتعالى حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ – رضيالله عنه – فحكم عليهم سعد رضي الله عنه أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم،فكانوا  يكشفون عن عوراتهم فمن وجدوه قد أنبت قتلوه، فهل قتل ذاك الشاب الذي لايزالفي العقد الثاني من عمره ظلماً؟ كلا لم يقتل ظلماً وقد شهد عليه الصلاة والسلام علىهذا الحكم بأنه حكم الله من فوق سبع سماوات، إن هذا الشاب ولد في بيئة تربيه على الكفر والضلال، أبوه يهودي وأمه يهودية، وسائر أقاربه وجيرانه كذلك، ومع ذلك فهو يتحمل المسؤولية عن نفسه، كان عليه أن يبحث عن طريق الهداية والنجاة، وعن طريق الحق والخير، وما كان ربك ليظلم أحداً سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين، فإذا كان هذا الشاب الذي عاش في هذا المجتمع الغارق في الانحراف والغواية تمارس تجاهه كل وسائل التضليل، وتطمس عليه الحقائق وتصور له بغير صورها، ومع ذلك لم يكن معذوراً فغيره من باب أولى.
ثانياً: الحساب الفردي يوم القيامة:
إن من لوازم المسؤولية الفردية أن كل إنسان سوف يحاسب يوم القيامة حساباً فرديّاً، قال عز وجل: ( واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون). وفي آية أخرى يقول عز وجل : (إن كل من في السموات والأرض إلا ءاتي الرحمن عبداً* لقد أحصاهم وعدهم عداً* وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً).
فكل إنسان سيقدم على الله فرداً وحيداً، وسيحاسب محاسبة فردية؛ فلابد أن يتحمل مسؤولية نفسه فيتربية نفسه وتزكيتها وقيادتها إلى طريق الخير والاستقامة.
وقال صلى الله عليه وسلّم :”ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان؛ فينظر أيمن منه فلايرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر تلقاء وجهه فيرى النار تلقاء وجهه؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة” . فلابد أن يصير المسلم إلى هذا الموقف وهو إما إلى إحدى حالين: إما أن يكون كما قال  صلى الله عليه وسلّم في حديث النجوى:”أما المؤمن فيدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول: أتذكر ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا ظن أنه قد هلك قال: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق“.
ثالثاً: الإنسان أعلم بنفسه:
إن الإنسان أعلم بمداخل النفس، وأعلم بجوانب الضعف والقصور فها، ومن هنا فهو الأقدر على التعامل مع نفسه، إنه يتصنع أمام الناس ويتظاهر أمامهم بالخير، أو يدعوه لذلك الحياء والمجاملة، أما مافي نفسه فهو أعلم به من سائر البشر، حينئذ فهو أقدر من غيره على علاج جوانب القصور في نفسه
رابعاً: البرامج الجماعية تفتقر إلى تفاعل الفرد معها:
تتاح للإنسان مناسبات وفرص جماعية تحقق له قدراً كبيراً من الاستفادة، لكنه لا يمكن أن يستفيد منها ما لم يتفاعل معها، قال عز وجل: (أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها) .
فالماء النازل من السماء واحد، لكن الأدوية تتفاوت فيما تحمله منه؛ فكل واد يحمل على قدر سعته، وهكذا القلوب تتفاوت بما تتلقاه من وحي الله جل وعلا، وتتفاوت في أثر هذا الوحي عليها كما تتفاوت هذه الوديان.
وشبه النبي صلى الله عليه وسلّم  الوحي الذي أتى به وتلقي الناس منه تشبيهاً قريباً من ذلك، فقال:”مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” . متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
ويحدثنا القرآن الكريم عن نماذج من نتاج تخلف التربية الذاتية (وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين).. لقد كانت هاتان المرأتان زوجتين لنبيين من أنبياء الله، ولابد أن نوحاً ولوطاً عليهما السلام بذلا معهما جهداً في دعوتهما إلى الدخول في دين الله تعالى، ولكن حين لم يكن منهما مبادرة ذاتية لم ينتفعا بذلك الجهد وتلك الدعوة.
ويبذل الرسول  صلى الله عليه وسلّم جهده مع عمه أبي طالب حتى عند مرض الموت، وحين لم يكن من أبي طالب مبادرة ذاتية لم  يستفد من الجهد الذي بُذل له.
وفي عصر النبي  صلى الله عليه وسلّم كان هناك فئة من المنافقين يصلون مع النبي  صلى الله عليه وسلّم الجمعة، ويشهدون معه مجالس الخير، ويذهبون معه في السفر و الإقامة، ويشهدون معه بعض الغزوات؛ فيعيشون مع النبي  صلى الله عليه وسلّم كمايعيش معه سائر أصحابه، يتلقون من نفس القنوات التربوية التي يتلقى منها أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلّم ، بل لعل بعض المنافقين كانوا أكثر حضوراً لمجالسه صلى الله عليه وسلّم من بعض أصحابه، ومع ذلك لم ينتفعوا بشيء من ذلك أبداً.
فهب اليوم أن شابّاً وجد في مجتمع تربوي في القمة، فهو في بيت محافظ وعند أستاذ وشيخ يعتني به، لكنه لم يتفاعل ولم توجد منه مبادرة ذاتية، فلن يستفيد من هذه البيئة، بلربما أصبحت وبالاً عليه.
خامساً: تجاوز سلبيات المربي:
إن البشر أيّاً كانوا لايخلون من سلبيات وجوانب من القصور، فهذا أستاذ لي أثق فيه وألازمه وأصاحبه وأحضر مجلسه وربما أصاحبه في سفر وذهاب وإياب وأرى فيه قدوة ظاهرة أمامي وأتمنى أن أكون مثله أو أن أسير على خطاه ….أيعني ذلك أن يسلم من القصور والضعف؟ فقد يكون لديه نوعمن قسوة القلب، وقد يكون عنده نوع من سوء الخلق وعدم حسن التعامل مع الآخرين، قديكون إنساناً متعجلاً ، لابد أن تكون فيه صفة سلبية وجوانب قصور.
وحينما يكون الشاب مجرد ظل لغيره، فإنه سيحمل سلبيات من يربيه، بالإضافة إلى سلبياته هو، فحينيكون الشاب يعاني من صفة سلبية كالكسل مثلاً، ووجد وتربى في بيئة يكثر فيها الهزل،فسيجمع بين الصفتين، وهكذا في سائر الأمراض جوانب القصور.
وحين يعتني بتربيةنفسه تربية ذاتية، فإنه سيتجاوز كثيراً من سلبيات من يربونه، لتبقى لديه سلبياته وجوانب قصوره الشخصية.
ولا نزال نسمع شكوى كثير من الشباب اليوم، وتبريرهم لجوانب من القصور لديهم بأنهم نشأوا في أوساط تعاني من الضعف التربوي، أو تربوا على أيدي مربين قصروا في تربيتهم، ولذلك كان لبعض تلك الشكاوى نصيب من الصحة، فكثير منها إنما هي أسلوب إسقاط، وهروب من تحميل النفس المسؤولية.
وأيا كان الأمر هذا أو ذاك، فالشاب يتحمل مسئوولية نفسه، ولو كان جاداً لاعتنى بها منذ البداية،ولتجاوز سلبيات الآخرين ومشكلاتهم.
إن هذه المسوغات تؤكد على أهمية الاعتناء بالتربية الذاتية، وحين نعود إلى واقعنا اليوم نجد الوقوع في الإفراط والتفريط في هذه القضية، فتجد بعض الشباب يؤدي جهداً للآخرين، من خلال درس يلقيه، أو خطبة في المسجد، أو من خلال المشاركة في المركز الصيفي، تجد هذا الشاب ينشغل بالأمور الدعوية –ونعم ما انشغل به- لكنه يهمل نفسه وينساها، فيجد بعد فترة أن زملاءه وأقرانه قد فاقوه وأنه قد قصر في حق نفسه، هذه صورة.
والصورة المقابلة هي صورة ذاك الشاب الذي يرفض أن يقدم، ويرفض أن يعمل، ويرفض أن يعطي الآخرين من وقته بحجة أنه يريد أن يربي نفسه، وهذا هو الآخر قد جانب الصواب، فلابد من التوازن، لابد أنيقوم الشاب بمسؤوليته فيخصص جزءاً نفيساً من وقته يعلم غيره ويربي غيره ويفيد غيره ويسهم في حفظ وقت غيره، ومع ذلك لا ينسى حظ نفسه، فيعتني بتربية نفسه وتعليمها وإصلاحها.

جوانب التربية الذاتية
اتضح لنا فيماسبق أهمية التربية الذاتية، وحاجتنا للاعتناء بها، ولكن ما الجوانب التي ينبغي أن يعنى الشخص بتربية نفسه عليها؟ وسنشير هنا إشارة موجزة إلى أهم هذه الجوانب؛ إذ التفصيل يتطلب حديثاً موسعاً عن التربية لا يتسع له هذا الوقت المحدود:
الجانب الأول:
الصلة بالله عز وجل: وهذا أهم الجوانب وآكدها، فكل مابعده إنما هو ثمرة ونتيجة له، ومن وسائل تحقيق ذلك: عناية الإنسان بالفرائض واجتناب المعاصي، ومحاسبة النفس على ذلك ومبادرتها بالعلاج حين التقصير،وبعد ذلك استزادته من النوافل كنوافل الصلاة، ونوافل الصدقة والصيام والتلاوة والذكر.
الجانب الثاني:
العلم الشرعي: ووسائل تحصيله لا تخفى علينا إما من خلال الدراسة النظامية، أو من خلال مجالس العلم وحلقاته المقامة في المساجد، أو من خلال الأنشطة الشبابية حيث تقام فيها دروس علمية وحلقات علمية، أومن جانب البحث الفردي الذي يبذله صاحبه، من خلال القراءة والإطلاع، أو من خلال الاستماع للأشرطة العلمية والدروس العلمية.
الجانب الثالث:
التربية على العمل: إن الإنسان فيحياته الخاصة حين يريد إتقان نشاط أو حرفة معينة، كالسباحة، أو قيادة السيارة – على سبيل المثال- حين يريد ذلك فإنه لايقتصر على الجانب النظري، وعلى سؤال من يجيدونها،بل يعتني بالتدريب والممارسة، والمهارات الدعوية كذلك فهي تُتقن من خلال التدريب والممارسة.

وسائل التربية الذاتية
الوسيلة الأولى: الصلة بالله عز وجل:
كما أن الصلة بالله عز وجل من الجوانب التي ينبغي أن يعنى بها المرء في تربيته لنفسه، فهي وسيلةمن وسائل تربية النفس.
وبالإضافة إلى ماذكرنا من الاعتناء بالفرائض والبعد عن المعاصي، والاجتهاد بالنوافل لابد من من السعي لتطهير القلب من التعلق بغير الله عزوجل؛ فصلاح القلب مناط تربية الصلة بالله عز وجل، بل هو مناط النجاة يوم القيامة ،قال الله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام :(ولا تخزني يوم يبعثون. يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. إلا من أتى الله بقلبٍ سليم). في هذه الآيات يدعو إبراهيم عليه السلام ربه أن يأتي يوم القيامة بقلب سليم، وفي الآية الأخرى وصفه تبارك وتعالى بأنه جاء ربه بقلب سليم  (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم) .
وأخبر صلى الله عليه وسلّم  عن منزلة القلب وأن الجسد كله يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب“.
وحين تصلح حال الإنسان مع الله، وتقوى صلته بربه تستقيم سائر أموره.
الوسيلة الثانية:  القراءة والمطالعة:
وهذا أيضاً عنصر مهم من عناصر التربية الذاتية، فأنت تقرأ في كتب الرقائق ما يرقق قلبك ويزيل قسوته،وتقرأ في كتب الأخلاق والآداب ما يصلح سلوكك، وتقرأ في كتب أهل العلم مايزيدك علماً، وتقرأ في تراجم العلماء مايزيدك حماسة للعلم والدعوة والبذل لدين الله عزوجل.
والقراءة تنمي أفق الإنسان، وتفكيره، وتزيد من قدرته على حل المشكلات، فالقراءة تنمي كافة الجوانب وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها قاصرة على الجانب العلمي وحده.
الوسيلة الثالثة: حفظ الوقت والاعتناء به:
ويتأكد هذاالأمر في حق من اشتغلوا بدعوة غيرهم وتربيتهم؛ فهذا العمل يأخذ عليهم زبدة أوقاتهم،لكن الاعتناء بتنظيم الوقت والحزم مع النفس في ذلك مما يعينهم على أن يوفروا لأنفسهم قدرا من الوقت كان يضيع سدى؛ فيستثمروه في تربية أنفسهم والرقي بها، إن استغلال الوقت مهارة وقدرة يحتاج الشاب أن يربي نفسه عليها، وليست مجرد اقتناع من الإنسان بأهمية الوقت.
الوسيلة الرابعة: التفاعل مع البرامج العامة:
إن هناك برامج عامة يتلقاها الشاب مع إخوانه، كالدرس العلمي والمحاضرة وخطبة الجمعة واللقاءات الجماعية … إلى غير ذلك، وهذه البرامج تحتاج منه إلى أن يتفاعل معها، من خلال التركيز والاستيعاب، ومن خلال أخذ النفس بالعمل والتطبيق بعد ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى طوائف ممن كانوا يحضرون أعلى المجالس وأشرفها: مجالس النبي  صلى الله عليه وسلّم وكانوا لا يستفيدون من ذلك، بل كانت وبالاً عليهم.
الوسيلة الخامسة: الجماعية:
لابد من الجماعية في التربية الذاتية،  وكيف يكون ذلك؟ ذكر الأستاذ محمد قطب حديثاً جميلاً في كتابه منهج التربية الإسلامية حيث يقول :”وينبغي أن نذكر بصفة عامة أن التنمية النفسية الصحيحة لا تتم في كيان فرد يعيش بمفرده في عزلة عن الآخرين وفي هذه الفترة بالذات – وهو يتحدث عن فترة الشباب الباكر – كيف يتدرب الإنسان على الأخوة إذا لم يمارس الأخوة بمشاعرها؟ مع الإخوة الذين يربطهم به هذا الرباط؟ كيف يتدرب على التعاون إذالم يقم بهذا الفعل مع أفراد آخرين؟ كيف يتعود أن يؤثر على نفسه إذا لم يكن هناك إلا نفسه؟ إن الوجود في الجماعة هو الذي ينمي هذه المشاعر وهذه الألوان من السلوك،والشاب الذي يعيش في عزلة عن الآخرين وإن حاول أن يستقيم على المنهج السليم تنم وبعض جوانب نفسه وتظل جوانب أخرى ضامرة؛ لأنها لا تعمل“.
إن بعض الشباب يقول: علي أن أنعزل لوحدي لأهتم بتربية نفسي ، وهذا غير صحيح فالجماعية مهمة للتربية الذاتية لأمور:
أولاً:هناك أمور جماعية لا يمكن أن تؤديها إلا من خلال الجماعة، كمشاعر الأخوة والتعاون والإيثار والصبر على جفاء الآخرين.
ثانياً:من خلال الجماعة تجد القدوة الصالحة وهي مهمة للتربية .
ثالثاً:من خلال الجماعة تجد القدوة السيئة وهي أيضاً مهمة للتربية؛ فحين ترى فرداً سيء الخلق تدرك كيف يخسر الآخرين، ومن ثم تدرك شؤم سوء الخلق، وترى إنساناً كسولاً فتدرك أثر الكسل والتفريط، إذاً أنت تحتاج إلى القدوة السيئة لا تلازمها وتعاشرها لكن عندما ترى هذا النموذج تجتنبه.
رابعاً:اكتشاف أخطاء النفس،وترويضها؛ فالإنسان الذي يعيش في عزلة يكون في الأغلب إنساناً حاداً في تعامله مع الآخرين، مثاليّاً في أحكامه وفي المشروعات التي يطرحها وعندما ينتقد الآخرين وعندما يوجههم، فهو مهما امتلك من القدرات تبقى لديه جوانب قصور واضحة، من خلالالعزلة والسياج الذي فرضه على نفسه، ومن هنا نقول لابد من الجماعة في التربية الذاتية.
الوسيلة السادسة: الثقة بالنفس:
وذلك بأن يشعر الشاب أنه قادر على أن يرقى بنفسه إلى درجات الكمال البشري، أما الكمال المطلق فلا يمكن أن يصل إليه البشر إطلاقاً، فالذي لايثق بنفسه لا يمكن أن يصنع شيئاً، ولا يمكن أن يرتفع بها أو يرتقي بها.
ولابد مع الثقة بالنفس من مقت النفس بجانب الله عز وجل حتى تتجنب طرفي الإفراط والتفريط، فالثقة بالنفس تعني أن يعلم الإنسان أنه قادر على أن يفعل هذا الشيء، وأن يتحمل المسؤولية حين تقع عليه، لكن ذلك لا يعني أن يصاب بغرور وإعجاب، بل ينبغي أن يعلم أنه مقصر وأنه مذنب وأنه مخطئ.
وحين أجمع بين الأمرين سيدفعني ذلك إلى بذل الجهد والمشاركة الدعوية ليكون في ذلك تكفيراً لذنبي،ورفعة لدرجاتي عند الله عز وجل.
افترض أني إنسان أعطاني الله عز وجل فصاحة وبلاغة أيمنعني هذا من أن أخطب الناس وأذكرهم بكتاب الله وسنة النبي  صلى الله عليهوسلّم ، وإن كنت أشعر بأنني أرتكب المعاصي والذنوب، وهب أن أعطاني الله موهبة في التأثير على الآخرين وقدرة في التعامل مع الناس وكسبهم، هل يمنعني شعوري بالتقصير من استثمار هذه الموهبة دعوة الناس والتأثير عليهم، وهكذا أيًّا كانت هذه الموهبة ألا يدعوني ذلك إلى أن أستغلها في طاعة الله على كل حال؟
الوسيلة السابعة: محاسبة النفس:
وذلك بأن يحاسب الإنسان نفسه قبل العمل وأثناءه وبعده، وأن يداوم على محاسبة نفسه في كافة جوانب حياته؛ فالمحاسبة هي التي تُعرِّف الإنسان بعيوب نفسه وجوانب ضعفها، وهي التي تعينه على علاجها.
الوسيلة الثامنة: العزلة الشرعية:
ونعني بالعزلةالشرعية أن يكون للشاب حظ من الوقت يخلو فيه بنفسه، ويقبل فيه على الله عز وجل يقولابن القيم – رحمه الله – في مدارج السالكين تعليقاً في قوله صاحب المنازل في درجات الإيثار قال: ألا يقطع عليك طريق السير والطلب إلى الله جل وعلا مثل أن تؤثر جليسك على ذكرك وتوجهك وجمعيتك على الله؛ فتكون قد آثرته على الله وآثرت بنصيبك من الله ما لا يستحق الإيثار؛ فيكون مثلك كمثل رجل سائرٍ على الطريق لقيه رجل فاستوقفه وأخذ يحدثه ويلهيه حتى فاته الرفاق، وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق الساعي إلى الله جل وعلا . فإيثارهم عليه عين الغبن وما أكثر المؤثرين على الله غيره، وما أقل المؤثرين الله على غيره، وكذلك الإيثار ما يفسد على المسلم وقته قبيحٌ أيضاً مثل أن يؤثر فيوقته ويفرق قلبه في طلب خلقه، أو يؤثر بأمر قد جمع همه وأمره إلى الله؛ ليفرق عليه قلبه بعد جمعيته ويشتت خاطره، وهذا أيضاً إيثارٌ غير مشروع، وكذلك الإيثار باشتغال القلب والفكر في مهمات الخلق ومصالحهم التي لا تتعين عليك، على الفكر النافع واشتغال القلب بالله ونظائر ذلك لا تخفى، بل هو حال الخلق والغالب عليهم ، وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ومحاسبة نفسك مع الله فلا تؤثر به إنما تؤثر الشيطان على اللهوأنت لا تعلم” .
إذاً فمهما كنت في ميدان من ميادين الخير: ميدان أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، أو ميدان تعليم علم ، أو ميدان جهاد في سبيل الله، فلابد أن يكونلك نصيب -ولو كان يسيراً – تخلو فيه مع الله عز وجل، فتتلو فيه كتاب الله عز وجلوتتدبره، وتقوم الليل أو تصوم، فهذا زاد لك يعينك على  هذا العمل الذي تفرغت له،  والله أعلم.
Scroll to Top