الإصلاح بين الناس:الحمد لله القائل (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)، الحمد لله القائل (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي كان سيد المصلحين، وحثنا على الإصلاح بين الناس، أما بعد:
في ذلك البيت يحدثُ خلافٌ بين الرجلِ وزوجته، وربما قاربَ الطلاق، في دائرةِ العملِ يحدثُ الخلافُ بين الموظفين حتى يصل لدرجاتٍ كبيرة من الجدال، وفي تلك المناسبةِ ربما حصل خلافٌ وارتفعت الأصوات بين الأقاربِ وقام هذا وترك المجلس، وربما خرجت كلمات لا تسرُّ الصديق، ومع الزملاءِ لا بد من سحابةٍ من الخلاف تمرُّ فوقهم .. فهل نسكت عن تلك الخلافات!
ومع ورودِ الخلافات والنزاعات يحدثُ في القلبِ ألم وحزن وفراق بين البعض، لهذا وذاك كان لا بد أن نسعى للإصلاح بين المتخاصمين، قال تعالى: (لا خيرَ في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس)، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصدقةِ والصلاة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاحُ ذاتِ البين فإن فسادَ ذاتِ البين هي الحالقة). “رواه أحمد بسند صحيح”.
عباد الله:
الإصلاحُ بين الناس فيه فوائدُ كثيرة، ومنها:
إن كان بين زوجين فإن الأسرةَ تعودُ للاجتماع، وربما كانت الحياة بعد الصلح أفضل من ذي قبل، وتتآلف القلوب، ونحفظُ الأولاد والبنات من الشتات والضياع والطلاق.
والإصلاحُ إن كان بين الموظفين؛ فإنه يعيدُ للعملِ بهجته وأنسه، ويزيد من الإنجاز، ويضيفُ لهم سعادة التعاون.
وفي محيطِ العمل أهمس لك:
قد يكون ذلك الموظف تلمحُ منه بعض التغيراتِ النفسية فكن حكيمًا وادخل معه في حديث لطيف فلعلك تقفُ على جراحٍ عنده ربما مع زوجته أو ولده أو نحو ذلك وحينها أعطهِ الكلمات الطيبة التي تصلح ما بينه وبين أهله.
والإصلاح إذا كان بين الأقارب فإن القلوب تتقارب، وندفع كيدَ الشيطانِ خارجًا.
أيها الفضلاء:
إن مما يحزنك أن يتأخر بعضنا عن الإصلاح بين المتخاصمين بحجةِ عدم التدخل في شؤون الآخرين، فهذا أب لا يتدخل لإصلاحِ الخللِ بين ابنتهِ وزوجها حتى حصل الفراق بينهما، وهذا مدير لم يتدخل في الإصلاحِ بين الموظفين حتى تفرقت القلوب ووقعت مفاسد كثيرة، وهذا أخ لم يتدخل للإصلاح بين إخوته وأخواته ويقول: ليس لي علاقة؛ فامتلأت القلوب حقدًا وبغضاء.
عباد الله:
إن من محبة الشريعة للصلح أن أجازت لنا الكذب؛ لإجل الإصلاح، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الكذابُ الذي يصلحُ بين الناسِ ويقولُ خيرًا) “متفق عليه”.
يا كرام:
البدار البدار إلى التصالح فيما بينكم، وتجاوزوا عما وقع بينكم، لقد تهاجرَ البعضُ حتى وقعَ الموتُ لأحدهم فندم، وقال: ليتني تصالحتُ معه قبل أن يموت، وكم سمعنا من قصصٍ نعوذُ بالله من قسوةِ القلب.
عباد الله:
من أراد أن يدخل في الإصلاح بين الناس فعليه بأمور:
1- أن يجدد نيته لله؛ فلا يقصد بعمله ذلك رياءً ولا مدحًا.
2- عليه أن يتحرى العدل في الصلح، قال تعالى: (فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا)، نقول ذلك؛ لأن بعضنا قد يتدخل للصلح بين اثنين فربما تعاطف مع أحدهما وظلم الآخر؛ لأنه يحبه، وهذا لا يجوز، وقد يحصل هذا الظلم حينما تصلح بين زوجين؛ فيميلُ الوالد لابنته ويدافع عنها ولا يسمع من الزوج شكواه بل وربما رمى عليه الاتهامات بلا بينة.
3- حينما تريدُ الصلح فاختر الوقت المناسب، والكلمة المناسبة؛ لتحقق المقصود من الصلح.
4- بادر بالصلح من بداية المشكلة ولا تتركها حتى تكبر وربما وصلت للمحاكم وللشرطة.
أخي المحب:
إذا جاءك من يريد الصلح بينك وبين زوجتك أو بينك وبين أحد الجيران أو الأقارب فكن رفيقًا معه، ولا تتهمه بأنه يتدخل فيما لا يعنيه، بل افتح له قلبك، واستعذ بالله من الشيطان الذي ينزغ في قلبك، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
اللهم اجعلنا من عبادك المصلحين.
أيها الكرام:
إن مما يؤلمك ما تسمعه من صفة التباغض والتهاجر الذي أصبح منتشرًا في بعض المجتمعات، فهذا يبغض زميل العمل، وهذا يبغضُ أخاه الشقيق، وهذا يبغض قريبه بسبب خصومات في داخل القبيلة، وهذا يبغض جاره بسبب خلاف بسيط، وهكذا تتباغض النفوس وتتهاجر الأرواح، وتنتشر العداوات.
وإني أحذر هؤلاء من عدم رفع أعمالهم إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هاذين حتى يصطلحا، أنظروا هاذين حتى يصطلحا، أنظروا هاذين حتى يصطلحا) “رواه مسلم”، وفي رواية لمسلم: (ترفع الأعمال في كل يوم خميس واثنين …)، وفي الحديث (ولا تباغضوا).
والأحاديث التي تحذِّر من التباغض لا تنتهي، والعاقل يَحْذَر من كل أسباب البغض؛ فيتركها حتى يبقى المجتمع في تآلف.
وختامًا:
فإني أذكِّرُ كلَ واحدٍ منكم بادر بالصلح بين المتخاصمين بالحكمة إن كنت تقدر، أو استعن بالحكيم ممن تعرف لعله يعالج ذلك التهاجر ويكون سببًا في الصلح.
اللهم وفِّق كل من سعى في الصلح بين الناس، اللهم اجمع بين قلوب المتخاصمين، اللهم طهِّر قلوبنا من الغل والبغضاء والحسد، اللهم يسرنا لليسرى وجنِّبنا العسرى.المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.
الأسرة والمجتمع > الإصلاح بين الناس.
الإصلاح بين الناس.



وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://wdawah.com/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b3/