أرزاق وحسّاد:
منال عبد العزيز السالم.
الله -جل وعلا- خلق البشر، وهو سبحانه يهبهم، ويعطيهم، وحده تعالى يوزع عليهم الأرزاق، والعطايا.
عطاء الله -عز وجل- لكل إنسان إنما هو بحكمة منه، ومشيئة لا يردها أحد، ولا يحل أن يعترض عليها عبد.
لكن بعض الناس انشغل بمراقبة ما في أيدي الآخرين، وتتبع أرزاقهم والإعجاب بنِعَم ربهم عليهم، واستكثارها عليهم، وحسدهم على ما هم فيه، في اعتراض خطير على حكمة الله، وإرادته، وقدره، والعياذ بالله.
ولو أوكِل توزيع الأرزاق إليهم لما سقوا غيرهم، ولما أطعموا إلا خاصتهم وأهلهم.
الحسد داء عضال، ومرض مهلك، وإن كنا جميعًا نتفق أن للحاسد أثرًا على المحسود أمرنا الله بالاستعاذة منه في سورة الفلق، لكننا قد نغفل عن أثر الحاسد على نفسه، وضرر الحسد على صاحبه.
أول ما تنقدح شرارة الحسد في قلب صاحبها فإنها تبدأ بإحراق قلبه قبل غيره؛ فينشغل بغيره، يقضّ مضجعه أن ينجح أحد، ويؤلمه أن يوهب أحد، ويعيش حياته مقهورًا متألمًا مصروفًا عما ينفعه، عدا أن الحسد يلتهم حسناته، ويحرقها كما تأكل النار الحطب.
فيكون الحاسد قد أفسد على نفسه دنياه وأخراه، والناس يرفلون في نِعم الكريم لا يدرون عن همه، وغيظه.
فهلا آمنا بأن هذه أرزاق الوهاب المنعم المتفضل جل في علاه؟ وتأدبنا معه في رضانا بما قسم لنا، وقسم لغيرنا؟ وفرحنا لعباد الله برزق الله، ودعونا لهم بالبركة، فنكفيهم -وأنفسنا قبلهم- آفة الحسد وشروره؟ هلا حققنا الإيمان بحبنا الخير للغير كما نحبه لذواتنا؟ هلا تذوقنا طعم الراحة النفسية بترك تتبع أرزاق غيرنا، والتحسر على خيراتهم؟ هلا انصرفنا لما ينفعنا في ديننا، ودنيانا، وتركنا ما سواه؟
من الإيمان الراسخ بحكمة الله أن نرضى بما يقسمه من أرزاق لنا، ولغيرنا، فلا نحسد أحدًا على نعمة، ولا نستكثر على عبدٍ رزقًا.