أسامة محمد فؤاد.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والخسران والبوار على الظالمين، الحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، الحمد لله الذي جعل تبليغ دعوته مهمة المرسلين، وأوجبها على عباده فقام بها الصالحون، ونصلي ونسلم على خير داع إلى الله على بصيرة، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فلقد جاء الإسلام الحنيف يقرر للدنيا أعدل المبادئ، وأقوم الشرائع، ويسمو بالنفوس الإنسانية، ويقدس الأخوة العالمية، ويدفع إلى عمل الخير، والحث عليه، وينهي عن فعل المنكر، ويرهب من عاقبته، ولقد أوجب الله على المسلمين الدعوة إلى الإسلام، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، ولقد عمل بذلك الرعيل الأول من المسلمين، وأدوا واجبهم على أكمل وجه، وكان لهم الجزاء من عند الله عظيمًا (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) آل عمران: 148.
ومن هنا تأتي أهمية الدعوة الإسلامية في هذا العصر الحالي الذي يسميه الناس “عصر العولمة”، أو عصر الانفجار التكنولوجي، حيث يجب علينا أن نستخدم كل الوسائل الحديثة المتاحة في نشر دعوتنا الإسلامية في العالم، وفي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر داخل ديار الإسلام.
ولما كانت الأمة الإسلامية خير الأمم، فكان لزامًا عليها أن تجمع جميع الأمم تحت لوائها، وأن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؛ لأنها نالت الخيرية بذلك (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ…) آل عمران: 110، فلا بد أن ندعو إلى الله كي ننتشل الناس من جهل، وظلم الانحلال إلى علم وعدل الإسلام، وكل ذلك يحتاج إلى نفوس أُشريت حب الإسلام واستقامت به، وإلى مجتمعات غلبت عليه صفة الإسلام (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً) البقرة: 138، فهنيئًا لمن عمل في مجال الدعوة إلى الله داخل وخارج البلاد الإسلامية، ومن دعا إلى الله في كل مكان، وفي كل زمان.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الفصل الأول:
الدعوة لغة واصطلاحًا
أ- الدعوة لغة:
تأتي الدعوة بمعنى النداء أو الطلب، وتقول: دعوة فلانًا أي ناديته، وقد تتعدى بحرف الجر “إلى” فيزداد بها الحث على فصل الشيء، تقول: دعاه إلى شيء أي: حثه إلى قصده، ودعاه إلى الدين أي: حثه على اعتقاده، وفي لسان العرب (1)
ب- الدعوة اصطلاحًا:
قد تعني الدعوة: الرسالة، فنقول: دعوة نوح بمعنى رسالة نوح، ودعوة موسى بمعنى رسالة موسى، ودعوة محمد بمعنى رسالة محمد، فنقول: دعوة الله أو نقول دعوة الإسلام “الدعوة الإسلامية” أو نقول: دعوة محمد.
ج- يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: “الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا”.
د- والدعوة إلى الله مهنة الأنبياء، حيث قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت: 33.
الدعوة في القرآن الكريم:
ولقد ذكر لفظ الدعوة بمعانيه المتعددة في القرآن في مواضع كثيرة منها الدعاء والنداء والدعوة إلى الله، سوف نأخذ منها ما يفيد موضوع بحثنا وهي الدعوة إلى الله في القرآن الكريم التي جاءت تارةً بطريقة الترغيب في الدعوة.
أ- الحث على الدعوة والترغيب في ذلك: قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف 108.
ب- الترهيب من ترك الدعوة أو التكاسل في الدعوة: رأينا كيف رغب الله في دعوته وجعل لها أجرًا عظيمًا، ومع هذا جعل لمن يتكاسل عن الدعوة ذنبًا، وجعل التكاسل جرمًا عظيمًا، ومن هذه الآيات التي توضح ذلك: قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ 78 كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ 79) المائدة: 78.
الحث على الدعوة في السنة:
لقد دعا رسولنا الكريم إلى ربه وإلى الإسلام في عصر مليء بالأصنام والأوثان والجاهلية، ومع التحديات التي واجهته فأكمل وبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة -عليه الصلاة والسلام- وحثنا على ذلك في كثير من أحاديثه، وأقواله، وأفعاله، ولأنه القدوة التي يجب أن تحتذي في عصر قلت فيه القدوة.
الفصل الثاني:
تطور الدعوة الإسلامية عبر العصور:
1- الدعوة في عهد الرسول:
لقد أصطفى الله -عز وجل- رسوله الكريم لحمل رسالته، وأهَّله لذلك منذ مولده مرورًا بطفولته البريئة، وبشبابه العفيف حتى سن الأربعين حين نزل عليه الوحي في غار حراء، ومن هنا بدأت الدعوة الإسلامية في بلاد العرب، إلا أن الأمية التي لم يكن لها كتاب ولم ينزل عليها قبل محمد رسول ومن هنا كانت الدعوة في هذه البلاد أمرًا ليس هينًا.
مراحل الدعوة الإسلامية في عهد الرسول:
1- سرية الدعوة.
2- الأمر بدعوة الأقارب والإعلان عن الدعوة، “الدور المكي”.
3- جهرية الدعوة وسرية التنظيم.
4- الإعلان العالمي عن الدعوة “عالمية الدعوة”.
5- الفتوحات في سبيل نشر الدعوة.
الدعوة بعد وفاة الرسول:
لم ينتهي دور الإسلام بعد وفاة خير الأنام ، وحمل لواء الدعوة بعده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فبذلوا وضحوا ودعوا إلى دين الله إما بإرسال الجيوش لفتح البلاد، أو دعوة المسلمين إلى التمسك بشرع الله.
2- الدعوة في عهد الخلفاء الراشدين:
أ- أبو بكر الصديق “ت 13 ه”:
هذا الرجل المؤمن أول الرجال إسلامًا الذي أسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة، عندما تولى الخلافة قام بإرسال أسامة بن زيد إلى بلاد الروم احترامًا لأمر الرسول، وحرصًا على نشر دعوة الله في الأرض، وبسط يمينه إلى العراق فبعث خالد بن الوليد (1)
ب- الدعوة في عهد عمر “. 23 ه”
استقرت الدولة -بفضل الله- في عهد الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب، وكثرت الفتوحات الإسلامية حتى أن أكثر الفتوحات حدثت في عهد عمر، ربما يرجع ذلك لاستقرار الدولة في عهده، ولذكائه السياسي، ولحرصه الشديد على الدعوة الإسلامية، وهذا هو الذي جعل بعض المستشرقين يقولون عنه المستعمر الكبير لكثرة الفتوحات التي حدثت في عصره.
ج- الدعوة في عهد عثمان “ت 35 ه”: :
وعندما تولى عثمان -رضي الله عنه- الخلافة لم يبخل بجهده على الدعوة الإسلامية، وإنما اهتم بالفتوحات التي كانت عماد الدعوة الإسلامية حينذاك، فقام بفتح بعض بلاد في إفريقيا، “أربقح بترس، جدستان” وحدثت في عهده معارك عظيمة، ومن أشهر تلك المعارك معركة الصواري ومعركة الأوسادة.
د- الدعوة في عهد على “ت 4 ه”:
لم تزدهر حركة الفتوحات الإسلامية في عهد على -رضي الله عنه- قد يرجع ذلك للفتن التي حدثت في عصره، وأيضًا لقصر مدة خلافته، ولكنه طالما حاول أن يدعو رعيته إلى التمسك بشرع الله.
3- الدعوة الإسلامية بعد زمن الخلفاء:
في عهد بني أمية ازدهرت حركة الفتوحات، ولعل أشهر الفتوحات كانت في بلاد الأندلس، وفي بلاد الروم، ولم ينسى العباسيون الدعوة الإسلامية فاهتموا بها، واهتموا بالفتوحات التي ازدهرت في عهد الرشيد والمأمون وبانتهاء الدولة العباسية، وبموقعة حطين وعين جالوت قلت الفتوحات، ولكن وسائل الدعوة لم تقل.
الفصل الثالث:
فرضية الدعوة الإسلامية:
لقد أرسل الله رسله منذرين لعباده قبل أن يحاسبهم؛ حتى لا تكون لهم حجة يوم الميعاد، وفي ذلك يقول رب العالمين: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء: 15، ومن هنا كان على جميع الرسل والأنبياء أن يدعوا إلى الله على بصيرة، وأمرنا نحن المسلمين أتباع الرسول الكريم بالدعوة إلى الله “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ” آل عمران: 104
ولقد أوجب الله الدعوة على الناس في كل زمان ومكان، فنحن الآن ونحن نعيش في عصر العولمة وفي هذه الظروف الحالكة التي تقف فيها البشرية على حافة الدمار بعد أن دمرت النفس البشرية، وحطمت الفطرة الإنسانية، وعانى الإنسان من الشقاء ما لم تتحمله الرواسي الثانحات، وفي هذا الوقت قد يسأل سائل: ما الخلاص للبشرية من أزمتها ونكدها وشقائها؟ أما الجواب فحاضر من رب العزة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) طه: 123 ) (2).
استمرارية الدعوة الإسلامية
شاء الله، وما شاء كان أن تستمر الدعوة الإسلامية عبر العصور المختلفة هي البلسم الشافي لكل أمراض العصر، فرأينا كيف حررت العرب من جاهليتهم وجعلت لهم أمة، وكيف قويت في عهد الخلفاء والأمراء بعدهم، وفي العصر الحديث يحمل لواء الدعوة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولم تتوقف الدعوة الإسلامية على مر العصور؛ لأنها دعوة االله ، وإن حدث بعض التقصير في وقت معين من الدعاة، فما يلبث الدعاة إلا أن يستيقظوا لنشر دعوتهم في ربوع العالم، ولحث المسلمين على الدعوة.
كنتم خير أمة …. لماذا؟
لقد فازت الأمة الإسلامية حين حازت الشرف العظيم، أقصد شرف أنها خير أمة، فالخيرية لم تأتِ من فراغ إنما لها أسبابها المعروفة التي ذكرها المولى عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران: 110.
كيف نكون “خير أمة” في العصر الحديث:
فعلينا في العصر الحديث أن ندعو الناس للإسلام، وعلينا دعوة هؤلاء:
دعوة المسلمين إلى التمسك بالإسلام وأداء فرائضه:
دعوة غير المسلمين إلى دخول الإسلام.
دعوة غير المسلمين للحوار، واحترام الإسلام، وعدم التعصب.
مميزات وأهمية الدعوة في الوقت الحالي:
لا يخفى على أحد منا أهمية الدعوة الإسلامية في كل العصور، كما بيّنّا، وفي الوقت الحالي تأتي الدعوة الإسلامية لتحل كثير من المشاكل في هذا العصر، وهي بالطبع مفيدة للداعية، وللمدعو، وللإسلام عامة ، ومميزات الدعوة هي كما سيوضحها الرسم الآتي:
1- للداعية في الدنيا:
تزيد من رصيد حسناته عند ربه، مما تزيد من رضا ربه عنه، فيحبه الناس ويحبه قبل ذلك رب الناس لأن (من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجر فاعله ).
2- للداعية في الآخرة:
دخوله -إن شاء الله- الجنة بفضل أعماله، ودعوته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر.
3- للإسلام:
زيادة عدد المسلمين، وحماية الأقليات المسلمة، وتوسيع رقعة الإسلام في البلاد.
4- للمدعو في الدنيا:
رضا الله عنه مما يؤدي إلى حب الناس له، ويجعل حياته إسلامية هادئة مستقرة.
5- للمدعو في الآخرة:
يدخل إن شاء الله الجنة؛ لأنه فعل الخيرات، وترك المنكرات، وأجاب نداء الحق.
من خلال ما سبق يتضح لنا أن الدعوة الإسلامية فريضة شرعية على المسلمين، ولها مميزات للدعوة وللداعية وللمدعو … ولذا فيجب علينا أن ندعوا إلى الله في العصر الحالي بكل الوسائل المتاحة حتى نستفيد من مميزات وفضائل الدعوة الإسلامية في عصر العولمة.